تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٢١٩
بالكواكب، مطرود من رحمة اللّه ومن إحسانه، وتنصبّ عليك لعنتي الدائمة وسخطي إلى يوم القيامة. فأخرج من جنة الخلد : وهي الجنة الحقيقية المخلوقة من القديم جنة السماء، كخلق النار، وأهبط إلى الأرض، بلا خلاف.
والرجيم : المرجوم بالقول السيئ، واللعنة : الإبعاد، ويوم الدين : يوم القيامة، والدين : الجزاء. والمراد بأن اللعنة على إبليس مستمرة دائمة، مخلّدة. وإنما قيدت بيوم الدين : ليبين له طريق التوبة قبل يوم القيامة، وما بعد يوم القيامة واضح أنه لا تقبل التوبة، إذ الآخرة ليست دار عمل.
فطلب إبليس قائلا : رب أمهلني في الحياة، ولا تحكم علي بالموت إلى يوم البعث، بعث الأجساد من القبور، فأمهله اللّه وجعله باقيا إلى يوم الوقت المعلوم : وهو عند النفخة الأولى. وقد طلب إبليس الإمهال إلى يوم البعث، ليتخلص من الموت، وذلك إلى وقت الصعق لا إلى وقت البعث وهو الآن حي مغو مضل. فلما أمن من الموت تمرّد وطغى، وتحدى قائلا : أقسم بعزتك، أي سلطانك وقهرك : لأغوين وأضللنّ بني آدم بتزيين الأهواء والشهوات لهم، إلا عبادك منهم الذين أخلصتهم لطاعتك، وعصمتهم من الضلال.
فأجابه اللّه قائلا : فالحق الثابت أنا، وأقول الحق، لأملأن جهنم منك ومن أتباعك جميعا، ممن أطاعك وتبع إغواءك. والإغواء : تزيين المعاصي.
وقل أيها الرسول للمشركين من قومك : لا أطلب منكم أجرا على تبليغي رسالة اللّه إليكم، ولست من المتقولين على الله، حتى أقول ما لا أعلم أو أدعو إلى غير ما أمر اللّه تعالى. والتكلف : التصنّع والاختلاق. وما هذا القرآن إلا تذكرة لجميع العوالم من الإنس والجن، ولسوف تعرفنّ خبره وصدق نبأه بعد زمان قريب : إما بعد الموت وإما يوم القيامة.