تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٢٢٤
على مقدار واحد، وهو دليل على كروية الأرض، لأن التكوير : اللف على الجسم المستدير، وعلى دوران الأرض حول نفسها مرة ثانية، لأن تعاقب الليل والنهار لا يتم من غير دوران. ويجعل اللّه الشمس والقمر مذللين لأمره بالطلوع والغروب، يسير كل منهما في فلكه إلى منتهى معيّن، وإلى وقت محدد في علم اللّه تعالى وهو انتهاء الدنيا وقيام القيامة، أو انتهاء دورة القمر كل شهر، ودورة الشمس كل سنة. ألا إن هذا التدبير والخلق من إله غالب قادر، ساتر لذنوب عباده بالمغفرة.
والدليل الثاني- من خلق الإنسان والأنعام، فإنه سبحانه خلقكم أيها الناس على اختلاف أجناسكم وألسنتكم وألوانكم من نفس واحدة، هي آدم عليه السّلام، ثم جعل حواء من جنسه أو من طينته، أو خلقها من ضلعه- ضلع آدم القصير، ثم تكاثر الخلق منهما.
وأمر اللّه تعالى بخلق أو إيجاد ثمانية أصناف من الأنعام : وهي الإبل والبقر والغنم والمعز، جاعلا من كل صنف ذكرا وأنثى، ويبتدئ اللّه خلق الناس في بطون الأمهات في مراحل متدرجة من الخلق والإبداع، حيث يكون بدء تكون الجنين من نطفة ثم من علقة، ثم من مضغة، ثم تتكون العظام، ثم تكسى باللحم والعروق والأعصاب. ومراحل الخلق هذه في ظلمات ثلاث : هي ظلمة البطن، وظلمة الرحم، وظلمة المشيمة والأغشية. هذا الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما، وخلق الإنسان : هو الرب المربي لكم، الذي له الملك المطلق في الدنيا والآخرة، وهو الإله الواحد الذي لا إله غيره، فكيف تصرفون عن عبادته إلى عبادة غيره؟! وثمرة هذه العبادة تعود للناس، فإن تكفروا بالله أيها المشركون، بعد توافر هذه الأدلة على وجود اللّه وتوحيده وقدرته، فإن اللّه هو الغني عما سواه من المخلوقات، ويغضب اللّه من كفر بعض عباده، ويرضى ويحب شكرهم على نعمه وآلائه، ويثيبهم


الصفحة التالية
Icon