تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٢٤٥
و إنما أمر الرزق بيد اللّه تعالى بشرط السعي والعمل، فقد يكون الجهد الكثير، ولا يحصل سوى الرزق القليل، وقد يكون العجز والضعف، ويسوق اللّه الرزق الوفير لصاحبه، على وفق مراد اللّه تعالى وحكمته، وهذا ما دوّنته الآيات الآتية :
[سورة الزمر (٣٩) : الآيات ٤٩ الى ٥٢]
فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعانا ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ نِعْمَةً مِنَّا قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٤٩) قَدْ قالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (٥٠) فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ (٥١) أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٥٢)
«١» «٢» «٣» «٤» [الزمر : ٣٩/ ٤٩- ٥٢].
إن طبع الإنسان غريب، فتراه إذا كان كافرا أو مشركا، وأصابه ضرّ من فقر أو مرض أو غيرهما، تضرّع إلى اللّه تعالى، واستعان به لكشف الضّر عنه، حتى إذا منحه اللّه نعمة من صحة وعافية وسلامة أو ثروة ومنصب وجاه، أو غير ذلك، زعم أنه وصل لذلك بخبرته ومهارته بأوجه المكاسب والعمل، أو لأنه يستحق ذلك، والحقيقة أن الحياة بأوضاعها كلها ابتلاء وخبرة للناس وامتحان لهم، ولكن أكثر الناس لا يعلمون ذلك، ولا يدركون أن كلّا من النعمة والنقمة اختبار وامتحان، ففي حال الإنعام ليعرف الشاكر من الجاحد، وفي حال الإفقار ليعلم الصابر والمؤمن من الجزع والجاحد، والجزع : ضدّ الصبر.
وهذه المقالة من المشركين، قالها الذين سبقوهم، فزعموا هذا الزعم، وادّعوا هذه الدعاوي مثل قارون وغيره، فما صحّ قولهم، ولم يفدهم ما كسبوا من متاع الدنيا شيئا، ولا نفعهم جمع المال الكثير.
(٢) أي اختبار وابتلاء. [.....]
(٣) أي مفلتين وناجين بأنفسهم.
(٤) أي يضيّق.