تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٢٨٨
نخبرك عنهم شيئا، ولم يكن لرسول من الرسل الإتيان لقومه بمعجزة خارقة للعادة إلا بأمر أو إذن من اللّه له في ذلك، فإذا حان وقت العذاب في الدنيا أو الآخرة، قضي بالعدل فيما بينهم، وخسر كل مبطل، وحصل على فساد آخرته. فتكون الآية توعدا لهم، أو إذا أراد اللّه إرسال رسول وبعثة نبي، قضى اللّه ذلك، وأنفذه بالحق، وخسر المبطلون، فتكون الآية على هذا التأويل ردا على قريش في إنكارهم أمر محمد صلّى اللّه عليه وسلّم.
نعم اللّه وتهديد أهل الجدل بالباطل
لا يمكن لأحد في العالم عنده مسكة من عقل أن ينكر فضل اللّه ونعمه على الناس، لأن الواقع المشاهد حجة دامغة، ولا يستطيع أحد إنكاره أو تجاوزه، وما أكثر الأدلة الحسية الميدانية من التاريخ في تعذيب المبطلين المكابرين بالمجادلين في آيات اللّه تعالى، لذا كان تحدي الواقع سببا موجبا للتهديد بالعذاب، وإيقاعه على أولئك المعاندين المغترين بدنياهم، المستهزئين بآيات اللّه، وإذا وقع العذاب، حدث الندم الشديد، ولم ينفع الإيمان والاعتذار في ذلك الوقت، كما تصور هذه الآيات :
[سورة غافر (٤٠) : الآيات ٧٩ الى ٨٥]
اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ لِتَرْكَبُوا مِنْها وَمِنْها تَأْكُلُونَ (٧٩) وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (٨٠) وَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَأَيَّ آياتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ (٨١) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (٨٢) فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٨٣)
فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (٨٤) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ (٨٥)
«١» «٢» «٣»

(١) أي السفن.
(٢) نزل وثبت وأحاط، وهي مستعملة في الشر.
(٣) شدة عذابنا.


الصفحة التالية
Icon