تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٢٩٢
[فصلت : ٤١/ ١- ٨].
افتتحت السورة بالحروف المقطعة : حم (١) للتنبيه ولفت النظر لما يعرض فيها، وتحدي العرب بإعجاز القرآن المتكون من الحروف العربية الأبجدية أو الهجائية، وتقترن هذه الحروف عادة بالكلام عن القرآن، للدلالة على الصلة بينه وبين مكوناته العربية، وذكر هنا أن القرآن الكريم منزل من اللّه تعالى المتصف بالرحمة الواسعة والدقيقة، فقوله تعالى : الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ صفتا رجاء ورحمة لله تعالى.
وهذا الكتاب فصلت آياته، أي بيّنت بيانا كافيا، وفسّرت معانيه، وتميز حلاله وحرامه، وزجره وأمره ونهيه، ووعده ووعيده، وأنزله اللّه كتابا مقروءا باللغة العربية، موضحا لقوم يعلمون أن القرآن منزل من عند اللّه، ويعلمون معانيه لنزوله بلغتهم، ويعلمون الأشياء، ويعقلون الدلائل ويتأملون بنظر ثاقب بمشتملاته.
وهذا القرآن الذي أنزله اللّه يبشر المؤمنين بالجنة لاتباعهم له، وينذر الكافرين بالنار لمخالفتهم أحكامه، ولكن أكثر الكافرين أعرضوا عما اشتمل عليه، من الإنذارات والبشائر، لأسباب ثلاثة وهي :
- إنهم قالوا : قلوبنا في أغطية تحجز ما بيننا وبينه، وفي آذاننا صمم، أو ثقل سمع يمنعها من استماعه، ومن بيننا وبينك ساتر يستر عنا رؤيتك، ويمنعنا من إجابتك ودعوتك، فالحجاب : هو مخالفة النبي إياهم، ودعوته إلى اللّه تعالى دون أصنامهم، هذه الحواجز الثلاثة تمنعنا من قبول دعوة النبي، فاعمل على دينك وطريقتك، إننا عاملون على ديننا وطريقتنا، ولا نتبعك. فقوله تعالى : فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ يحتمل أن يكون القول تهديدا، ويحتمل أن يكون متاركة محضة. ثم أمر اللّه نبيه أن يصدع أو