تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٢٩٥
و رتّب اللّه تعالى أوضاع الأرض لتصلح للعيش عليها، بإيجاد ثلاثة أنواع فيها، وهي إيجاد الجبال الثوابت فيها، لتحقيق الاستقرار والتوازن على سطحها، وحفظها من الاضطراب، ولتخزين المياه والمعادن في باطنها، والإرشاد للطرق في جنباتها، وحفظ الهواء والسحاب لها. ثم جعل اللّه الأرض مباركة كثيرة الخير، بما أودع فيها من مصادر الثروة المعدنية والمائية والزراعية، وقدّر اللّه فيها أرزاق أهل الأرض وأقواتهم، وما يصلح لمعاشهم من الأشجار والمنافع، وأتم اللّه تعالى معايش أهل الأرض في غضون أربعة أيام، مع اليومين المتقدمين للخلق والإبداع، وهذا كما تقول : بنيت جدار داري في يوم، وأكملت جميعها في يومين، أي بالأول، وجعل اللّه ذلك الخلق في أربعة أيام، مستوية استواء، بلا نقصان ولا زيادة، ومستغرقة بالأعمال، لأجل إجابة سؤال السائلين عن الأمر، والاستفهام عن حقيقة وقوعه، والطالبين ما ينتفعون به، فهم في حكم من سأل هذه الأشياء، إذ هم بحال حاجة إليها.
وكلمة (سواء) مثل كلمة (عدل) ترد على المفرد والجمع، والمذكر والمؤنث. وهي مصدر مؤكّد لمضمر هو صفة لأيام، أي استوت استواء أو سواء.
ثم عمد اللّه وقصد بقدرته واختراعه إلى خلق السماوات وإيجادها، حسبما تقتضي الحكمة الإلهية، فقال للأرض وللسماء : كونا مخلوقتين منقادتين، خاضعتين للأمر الإلهي، طائعتين أو مكرهتين، فاستجابتا، وقالتا بلسان الحال أو المقال : أتينا ووجدنا طائعين، أي ائتيا على ما ينبغي أن تأتيا عليه من الشكل والوصف. وبه يتبين أن اللّه تعالى خلق الأرض أولا، ثم خلق السماء بعدها، ثم بعد السماء، دحا الأرض، أي بسطها بحسب نظرنا، وهذا توفيق بين هذه الآية، وآية : وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها [النازعات : ٧٩/ ٣٠].
ثم ذكر اللّه كيفية تكوين السماوات، وهو أنه تعالى أتم خلق السماوات السبع وأحكمهن، وفرغ منهن في مقدار يومين، فأصبح خلق السماوات والأرض في مقدار