تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٣٠٢
بعض قريش كأبي جهل وغيره، خشية استمالة القلوب بالقرآن : متى قرأ محمد فلنغطّ نحن بالمكاء «١» والصفير والصياح وإنشاد الشّعر والأرجاز، حتى يخفى صوته، ولا يقع الاستماع منه، وهذا الفعل منهم هو اللّغو، فنزلت الآيات الآتية :
[سورة فصلت (٤١) : الآيات ٢٦ الى ٢٩]
وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (٢٦) فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٧) ذلِكَ جَزاءُ أَعْداءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ جَزاءً بِما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (٢٨) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلاَّنا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ (٢٩)
«٢» «٣» [فصلت : ٤١/ ٢٦- ٢٩].
المعنى : قال بعض الكفار لبعضهم : لا تستمعوا لهذا القرآن عند تلاوته، ولا تتأثروا أو تنقادوا له، وعارضوه بالكلام اللغو الساقط الذي لا معنى له، من إنشاد الأشعار ورفع الأصوات والتصفيق والتصفير، والتخليط بالخرافات والأساطير، حتى تغلبوا القارئ على قراءته، وتطمسوا أمر محمد صلّى اللّه عليه وسلّم وتميتوا ذكره وتصرفوا القلوب عنه.
فهددهم اللّه تعالى بأنه ليجازين في الدنيا في بدر وغيرها جميع الكفار بعذاب شديد، ومنهم كفار قريش، الذين يحاولون صد الناس عن سماع القرآن، ثم يجازينّهم في الآخرة جزاء أقبح أعمالهم التي عملوها في الدنيا، وهو الشرك. وهذه آية وعيد لقريش والعذاب الشديد : هو عذاب الدنيا في بدر وغيرها والجزاء بأسوأ أعمالهم :
هو عذاب الآخرة.
ثم ذكر اللّه تعالى صفة ذلك العذاب بأن ذلك الجزاء لأقبح أعمال الكفار وهو دخول النار، هو جزاء أعداء اللّه الذين كذبوا رسله، واستكبروا عن عبادته، فهم
(٢) ائتوا باللغو عند قراءته، وهو ما لا معنى فيه من سقط القول.
(٣) أي الأذلين المهانين.