تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٣٠٤
جزاء أهل الاستقامة
الاستقامة على منهاج الحق والخير وطاعة اللّه تعالى. دليل على توافر العقل والوعي.
والرجولة والشجاعة والعزة والكرامة، والانحراف عن ذلك المنهاج أمارة واضحة على الجهالة وقلة الوعي وضعف الإدراك، والجبن والمهانة، والانصياع للذّات والأهواء والشهوات، فما استقام أحد إلا نجا وأفلح، وكان متماسك الشخصية، قوي العزيمة والإرادة، وما ضل أحد إلا هلك ودمّر نفسه، وكان خائر العزيمة، ضعيف الإرادة. لذا كان الدين سبيلا لخير الإنسان، وإبعاده عن الشرور والآثام، فجاء القرآن الكريم يحضّ على الاستقامة، ويعد بالجزاء الأحسن في هذه الآيات الآتية :
[سورة فصلت (٤١) : الآيات ٣٠ الى ٣٢]
إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (٣٠) نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ (٣١) نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (٣٢)
[فصلت : ٤١/ ٣٠- ٣٢].
قال ابن عباس : نزلت هذه الآية في أبي بكر الصديق رضي اللّه عنه، وذلك أن المشركين قالوا : ربنا اللّه، والملائكة بناته، وهؤلاء شفعاؤنا عند اللّه، فلم يستقيموا، وقال أبو بكر : ربنا اللّه وحده لا شريك له، ومحمد صلّى اللّه عليه وسلّم عبده ورسوله، فاستقام. و
أخرج الترمذي والنسائي والبزار وغيرهم عن أنس بن مالك : أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قرأ : إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا قال :«قد قال الناس، ثم كفر أكثرهم، فمن مات عليها، فهو ممن استقام».
هذه الآية واردة إذن في أحوال المؤمنين المستقيمين ونهايتهم، بعد بيان أحوال المشركين ونهايتهم، ليتبين الفرق بين المؤمن والكافر، وبين الطيب والخبيث، وهي وعد للمؤمنين، بعد آيات وعيد المشركين.