تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٣٠٨
الأدب، وكظم الغيظ، والسماحة في القضاء، والاقتضاء، وغير ذلك. وهذه آية جمعت مكارم الأخلاق، وأنواع الحلم. قال ابن عباس رضي اللّه عنهما : إذا فعل المؤمن هذه الفضائل، عصمه اللّه تعالى من الشيطان، وخضع له عدوه، ولا شك أن السّلام : هو مبدأ الدفع بالتي هي أحسن. فإذا كان بينك وبين غيرك عداوة، فقابلت الإساءة بالإحسان، صار العدو كالصديق.
وما يتقبل هذه الوصية أو الموعظة ويعمل بها، ويروّض نفسه على هذه الخصلة :
و هي دفع السيئة بالحسنة إلا الذين صبروا على كظم الغيظ، واحتمال المكروه، والصبر شاق على النفوس، والصبر على الطاعات وعن الشهوات جامع لخصال الخير كلها. وكذلك لا يتقبل هذه الوصية إلا ذو نصيب وافر من السعادة في الدنيا والآخرة، وذو حظ في الثواب والخير، والآية مدح للصابرين ووعد لهم بالجنة.
وطريق التغلب على أهواء النفس ونزواتها هو الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، فإن وسوس إليك الشيطان، وحاول صرفك عن الدفع بالتي هي أحسن، وزيّن لك أن تقابل السيئة بمثلها، فاستعذ بالله من شره، والتجئ إلى اللّه لكفّه عنك ورد كيده، فالله هو السميع لاستعاذتك منه، والتجائك إليه، العليم بوساوس الشيطان، وبما يعزم عليه الإنسان.
قد كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا قام إلى الصلاة يقول- فيما رواه أحمد والترمذي- عن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه :«أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، من همزه ونفخه ونفثه». ولما انتصر أبو بكر لنفسه من رجل شتمه، قام النبي صلّى اللّه عليه وسلّم من المجلس وقال لأبي بكر :«إنه أي (حين سكوتك) كان يرد عنك ملك، فلما قربت تنتصر، ذهب الملك، وجاء الشيطان، فما كنت لأجالسه».