تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٣١١
أي إن الذي ينبغي أن يقاس على هذه الآية في مجال إيجاد الأحياء النباتية، إنما هو إحياء الموتى، فإن الله هو الرب القدير الذي لا يعجزه شي ء في الأرض ولا في السماء. والشي ء في اللغة : هو الموجود. وهذا دليل حسي مشاهد، نبّه عليه القرآن الكريم للتوصل إلى الإيمان بقدرة الله على البعث والإحياء بعد الإماتة، والركود في القبور، وإن الذي يجب الانتباه له : هو قدرة الله تعالى الخالق، في ابتداء الخلق، وإعادته وانتهائه، وفي كل وقت وحال.
وبعد هذا البيان الإلهي لا يبقى عذر لأحد في خطأ الاعتقاد، وعبادة غير اللّه سبحانه، والتماس الخير والنفع من غير اللّه القادر، أو منع الضرر والشر من عبيد اللّه ومخلوقاته. ألا إنها عظة وذكرى لمن كان له قلب وعقل ووعي، وألقى السمع وتنبه، وهو شهيد، أي صرف سمعه إلى هذه الأنباء الواعظة وانتبه في سماعها.
الميل والإعراض عن القرآن
عجيب أمر الإنسان، يرى الحق ويشاهده، ويلمس فائدة الاستقامة وجدواها، وطريق النجاة والسلامة، ومع ذلك يعرض عنه، ويميل إلى غيره من ألوان الباطل والانحراف، متأثرا بأهوائه وشهواته، مؤثرا نفعا عاجلا في ظنه، ولكنه في الواقع هو عين الهلاك والضياع. وما مثله إلا كمثل المريض الأحمق، ينصحه الطبيب بتناول دواء معين، فيتركه ويهمله، إلى أن يلقى حتفه ونهايته، وهكذا بعض الناس يلحدون في القرآن، أي يميلون عنه وعن توجيهاته، وهو الحق الأبلج، والصواب الأسدّ، ويتجهون إلى غيره، وهو الباطل اللجلج، والخطأ البين. وهذا ما أبانته الآيات الآتية :