تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٣٢٤
فهل لهم أن يأتوا بمثل القرآن أو بمثل سورة منه؟ فعجزوا وذلك دليل إعجاز القرآن، وإعجازه دليل على أنه من عند اللّه وحده.
والوحي قديم، فمثل هذا الوحي المنزل عليك أيها الرسول، أوحى اللّه إلى سائر الأنبياء والرسل، من الصحف والكتب المنزلة، والذي يوحي : هو اللّه العزيز في ملكه، الغالب بقهره، الحكيم في صنعه، والموحى به متفق في الجوهر والغاية والمضمون. وهو الدعوة لتوحيد اللّه، وإثبات النبوة، والإيمان بالبعث واليوم الآخر، وما فيه من حساب وعقاب، وثواب وجزاء، والتخلق بمكارم الأخلاق، والبعد عن الرذائل. والله منزل الوحي : له جميع ما في السماوات والأرض ملكا وخلقا وعبيدا، وهو العلي الأعلى المتعالي فوق خلقه، المتصف بالعظمة التي لا حدود لها، وبالكبرياء الذي لا يوصف. فقوله : لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أي الملك والخلق والاختراع. و(العلي) من علو القدر والسلطان. وكذلك (العظيم) في معناه.
وليس المقصود علو المسافة، ولا عظم الشي ء أو الجرم.
ومن دلائل عظمة اللّه : أن السماوات تكاد تتصدع وتتشقق من سرعة جريهن، خضوعا وخشية من سلطان اللّه تعالى، وتعظيما له وطاعة، والتصدع من الجهة الفوقانية، لقوله تعالى : مِنْ فَوْقِهِنَّ أي من أعلاهن.
ومن آيات العظمة الإلهية : أن الملائكة الكرام يداومون على تنزيه اللّه تعالى عما لا يليق به ولا يجوز عليه، قارنين التسبيح (أي التنزيه) بالتحميد، وشكر النعم التي لا تحصى. ومن نعم اللّه تعالى : أن الملائكة يطلبون المغفرة لعباد اللّه المؤمنين، ومن أفضال اللّه : أنه سبحانه كثير المغفرة والرحمة، فهو يقبل استغفار الملائكة، لأنه قرن الرحمة بالمغفرة. وهذا كما في آية أخرى تدل على فضل اللّه وهي : الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ