تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٣٣٢
في الآية الأولى : فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ عشرة أوامر ونواه، كل واحد منها مستقل بذاته، أولها أمران : ادع أيها الرسول إلى مبدأ وحدة الدين المتفق عليه، واستمر على هذه الدعوة، واستقم على عبادة اللّه، وتبليغ الرسالة، فهي شملت جميع الطاعات وتكاليف النبوة، هذا مع العلم بأن النبي بحسب قوته في تنفيذ أمر اللّه تعالى مطالب بتمام الاستقامة، وهذا ما دعاه أن
يقول :«شيبتني هود وأخواتها»
لأن فيها فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ «١» [هود : ١١/ ١١٢] وأما أمته
فقال لهم النبي بحسب ضعفهم : استقيموا ولن تحصوا. «٢»
ثم جاء النهي : وهو لا تتبع أيها الرسول أهواء المشركين فيما افتروه واخترعوه من عبادة الأصنام والأوثان، ووقعوا فيه من شكوك وتحريفات. ثم أمر اللّه نبيه أن يقول : صدّقت بجميع الكتب المنزلة من السماء التي أنزلها اللّه على أنبيائه ورسله، من التوراة والإنجيل والزبور، وصحف إبراهيم وموسى وشيث.
وأمر اللّه نبيه أن يعلن أيضا بأن يعدل بين الناس مهما اختلفت أديانهم بالحق والعدل، في القضاء والحكم إذا ترافعوا إليه.
وأمره أيضا أن يقول : ليس اللّه إلها لشعب دون شعب أو قوم دون قوم، كما يعتقد اليهود بأن الإله هو إله بني إسرائيل، فالله المعبود بحق لا إله غيره، هو إله المسلمين وربهم، وإله غيرهم، وخالقهم وخالق الناس جميعا.
وأخبر اللّه تعالى أن ثواب أعمال المسلمين وعقابهم خاص بهم، لا يتحملها عنهم غيرهم، وكذلك ثواب أعمال غيرهم وعقابها خاص بهم، ويبرأ كل فريق من الآخر
(٢) أخرجه مالك وأحمد وابن ماجه والدارمي عن ثوبان، وقوله :«و لن تحصوا» مأخوذ من قوله تعالى عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ أي لن تطيقوا عده وضبطه.