تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٣٣٤
ألا تنبه أيها السامع بأن الذين يجادلون في مجي ء القيامة، ويخاصمون في شأنها مخاصمة شك، لفي بعد وجهل ومتاهة عن الحق.
وما أروع ما جاء بعد هذه الآيات لفتح باب الأمل والرجاء والرحمة : وهو بيان أن اللّه كثير اللطف بعباده، ومن ألطافه أنه يرزق جميع عباده، بحسب مشيئته، لا فرق بين برّ وفاجر، ومن غير ضعف، ولكن اللّه عظيم القوة، باهر القدرة، يغلب كل شي ء، ولا يعجزه شي ء في الأرض ولا في السماء.
العمل للدنيا والآخرة
من أبرز خصائص الإسلام : أنه يحض أبناءه على العمل للدنيا والآخرة، وهذا دليل الوسطية والعدل والوعي. وأنه قضى على الوثنية في شبه جزيرة العرب، بسبب حملته الشديدة على المشركين، ووعيدهم بالعذاب، وإنذارهم به لولا تأخيره في الحكم الأزلي لإعطائهم الفرصة لإصلاح عقائدهم، وأدى ذلك إلى الحكم بإيقاع العذاب بالظالمين، ونجاة المؤمنين وتبشيرهم بجنان الخلد. وفي ثنايا الحملة على أهل الشرك رد قاطع على افترائهم بأن القرآن ليس من كلام اللّه تعالى، وترغيب لهم ولغيرهم بالمبادرة إلى التوبة والاستجابة لنداء الحق والإيمان، حتى يظفروا بمزيد فضل اللّه تعالى، ويتعرض الكافرون للعذاب الأليم. قال اللّه تعالى موضحا هذه الخصائص :
[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ٢٠ الى ٢٦]
مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (٢٠) أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْ لا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٢١) تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (٢٢) ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (٢٣) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٢٤)
وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ (٢٥) وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ (٢٦)
«١» «٢»

(١) المراد به هنا ثواب الآخرة، وثمرات الأعمال الخالدة، وهذا استعارة حيث شبه ثمرة العمل بالغلال الحاصلة من البذور، وهو يتضمن تشبيه الأعمال بالبذور.
(٢) أم : منقطعة بمعنى بل وألف الاستفهام.


الصفحة التالية
Icon