تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٣٤٤
الكافرين في الآخرة يتمنون الرجوع إلى الدنيا، فيحتقر شأنهم، ولا يبالي بهم أحد من المؤمنين، ويقفون أمام النار ذليلين خائفين، ويلمسون الخسارة المحققة في الأنفس والأهل، ولا أمل لهم في النجاة، فلا يجدون أنصارا يخلصونهم من العذاب، ومن أضله اللّه بسبب ما اكتسب واختار من الإثم، فلا سبيل لنجاته. وهذه آيات كريمة تصور لنا هذا الموقف المخزي :
[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ٤٤ الى ٤٦]
وَ مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ (٤٤) وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ (٤٥) وَما كانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِياءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ سَبِيلٍ (٤٦)
[الشورى : ٤٢/ ٤٤- ٤٦].
هذا تبيان حال الكفرة الذين اختاروا الكفر على الإيمان ومالوا إليه، فأضلهم اللّه تعالى، وتركهم يتيهون في وهاد الضلال، لفقد استعدادهم للإيمان، ومن يضله اللّه، فما له من أحد يتولى هدايته ونصره، أو إنقاذه إلى طريق الهدى والرشاد. وقوله تعالى :
وَ مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ بيان أنه لا يقع شي ء في الكون، من الهدى والضلال وغيرهما إلا بإرادة اللّه ومشيئته، حتى لا يوصف بالعجز. وليس في هذا القول إجبار على الضلال، وإنما بيان من علم اللّه أنه يختار الضلال، فيزيده اللّه ضلالا.
وأحوال هؤلاء الضالين الظالمين في الآخرة معقدة وشائكة وأهمها ستة :
- ترى : الرؤية هنا رؤية عين، أي تبصر أيها الإنسان المشركين الكافرين بالله، المكذبين بالبعث، حين نظروا إلى النار، وعاينوا العذاب، يتمنون الرجوع إلى الدنيا، من أي طريق. وهذه المقالة المعبرة عن بحثهم عن سبيل النجاة : تدل على سوء ما اطلعوا عليه. والمردّ : موضع الرد إلى الدنيا، قاصدين بذلك استدراك العمل والإيمان.