تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٣٥٢
تفسير سورة الزخرف
عربية القرآن وموقف قريش منه
لم يدع الحق سبحانه وتعالى عائقا أمام العرب لإيمانهم بالقرآن ونبوة محمد صلّى اللّه عليه وسلّم، فجعل القرآن بلسانهم العربي، وأخبرهم بأنه من كلام اللّه تعالى ومن عنده، لا من عند محمد عليه السّلام، ولم يتركهم اللّه من دون إنذار أو تذكير، ولو كانوا مسرفين في الملذات والإنكار والتكذيب، عاكفين على الشرك، وحذرهم من تكذيب النبي صلّى اللّه عليه وسلّم، كما فعل الذين من قبلهم، وظلوا مستهزئين بنبيهم ومكذبين له، فأهلكهم اللّه تعالى ودمّرهم، فعليهم أن يعتبروا بما حدث لأمثالهم، وهذا ما تضمنته الآيات الآتية في مطلع سورة الزخرف المكية بالإجماع :
[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ١ الى ٨]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
حم (١) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (٢) إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٣) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (٤)أَ فَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ (٥) وَكَمْ أَرْسَلْنا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ (٦) وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٧) فَأَهْلَكْنا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً وَمَضى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ (٨)
«١» «٢» [الزخرف : ٤٣/ ١- ٨].
افتتحت السورة بالأحرف الهجائية :(حم) للتنبيه على خطر ما يأتي في هذه السورة، ولتحدي العرب بالإتيان افتراء بمثل أقصر سورة من القرآن ذات الموضوع الواحد، لأنه بلغتهم ومن أصول مادة كلامهم. لذا كان الغالب بعد هذه الأحرف
(٢) أي صفتهم العجيبة التي تشبه المثل في الغرابة.