تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٣٦٣
الدنيا، ونرفع درجة بعضهم على بعض في القوة والضعف، والعلم والجهل، والغنى والفقر، ليتمكنوا من تسيير شؤون الحياة، فيسخّر بعضهم بعضا في العمل وقضاء الحوائج، بالاستخدام أو الاستئجار، وثانيها : ما أعده اللّه لعباده الصالحين في الآخرة هو خير مما يجمعونه من الأموال وسائر متاع الدنيا، قال قتادة والسدّي :
يعني الجنة، أي في الآخرة، والرحمة في الدنيا : بالهداية والإيمان خير من كل مال.
وهذا اللفظ تحقير للدنيا.
نزلت هذه الآية : وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ... أَهُمْ يَقْسِمُونَ كما روى ابن المنذر عن قتادة في الوليد بن المغيرة- وكان يسمى ريحانة قريش- لو كان ما يقوله محمد حقا، لنزل علي أو على أبي مسعود (عروة بن مسعود الثقفي) فقال اللّه تعالى : أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ يعني النبوة، فيضعونها حيث شاؤوا؟
و ثالث الأوجه : خشية أن يكون الناس كلهم على ملة الكفر، تأثرا بالدنيا، لأعطينا الكفار ثروات طائلة، وجعلنا سقوف بيوتهم ومصاعدهم وأبوابهم وأسرّتهم التي يتكئون عليها من فضة خالصة، ومن الذهب والزينة المزخرفة، ولكن ليس كل ذلك إلا شيئا يتمتع به تمتعا قليلا في الدنيا، لأنها زائلة قصيرة الأجل، والآخرة بألوان نعيمها مخصصة لأهل التقوى : الذين يتقون الشرك والمعاصي، ويؤمنون بالله وحده، ويعملون بطاعته، فإنها الباقية التي لا تفنى، وذات النعيم الدائم الذي لا يزول. فقوله تعالى : أُمَّةً واحِدَةً معناه في الكفر.
الإعراض عن شرع اللّه تعالى
إن من آفات الاغترار بالدنيا وحب المال : الإعراض عن شرع اللّه تعالى وعما ذكّر به الرحمن عباده، وهذا يستوجب العقاب على الكفر، ويجعل المعرضين عن ذكر