تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٣٩٦
رِجْزٍ
أي عذاب من أشد أنواع العذاب وأكثرها إيلاما، لأن الرجز : أشد العذاب، وقوله تعالى : هذا هُدىً إشارة إلى القرآن، وأنه كامل في كونه هدى.
هذا التهديد والوعيد لكل أفاك أثيم، أي كذّاب كثير الآثام، مبالغ في اقترافها والإصرار عليها، يستدعي وقفة تبصر، وتأمل في المصير المشؤوم، سواء من الأفّاك نفسه، أو من كل سامع، ربما يتصف بهذه الصفات.
ويؤكد ذلك : أن الأفّاكين يتعرضون لخسارة محققة، فلا تفيدهم الأصنام التي عبدوها شيئا. ويجد المتأمل المتبصر القرآن أمامه هاديا إلى الخير، ومبعدا له عن الشر، وآخذا بيده نحو الطريق الأفضل، والسبيل الأقوم، فما على كل عاقل إلا أن يقبل على مائدة القرآن، ينهل منها ما يحقق له السعادة في الدنيا والآخرة.
من نعم اللّه تعالى
لا تفتأ تمر لحظة في حياة الإنسان المؤمن وغير المؤمن إلا واللّه ينعم عليه بنعم كثيرة، في نفسه وأفعاله وتحركاته، وأنشطته الاقتصادية والاجتماعية، وكلاءة هذه النعم ليقوم الدليل الدائم على وجود اللّه تعالى وفضله وتوحيده، وأنه الإله المعبود بحق، وفي ذلك مدعاة التأمل والتفكر، وضرورة التفويض لله تعالى في شأن عباده، والسمو عن التعصب ونظرة الحقد، ومعاملة الآخرين غير المؤمنين بالسماحة والعفو، والجزاء ينتظر الجميع : إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، قال اللّه تعالى مقرّرا هذه الأصول :
[سورة الجاثية (٤٥) : الآيات ١٢ الى ١٥]
اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٢) وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (١٣) قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٤) مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (١٥)
«١» «٢»
(٢) السّفن.