تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٤٠٤
أو الدهر، ولا دليل لهم على هذه المقالة من نقل أو عقل، وما مستندهم إلا الظن والتخمين، من غير حجة أصلا، فهي ظنون منهم وتخرّصات، تفضي بهم إلى الإشراك بالله تعالى. والدهر والزمان بمعنى واحد عند العرب. أخرج ابن المنذر عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال : كان أهل الجاهلية يقولون : إنما يهلكنا الليل والنهار، فأنزل اللّه : وَقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ ودليلهم على إنكار البعث ما قالوا : إذا تليت عليهم بعض آيات القرآن، واضحات الدلالة على قدرة اللّه على البعث والقيامة، قالوا : أحضروا آباءنا الذين ماتوا أحياء، إن كنتم أيها المؤمنون صادقين في إمكان البعث، لنسألهم عما رأوا، ويشهدوا لنا بصحة البعث.
فأجابهم اللّه تعالى : قل أيها النبي لهؤلاء المشركين منكري البعث : إن اللّه أحياكم في الدنيا، ثم يميتكم عند انقضاء آجالكم، ثم يجمعكم جميعا يوم القيامة، جمعا لا شك فيه بعد إماتتكم، بلا ريب في نفسه وذاته، فإن الذي قدر على البداءة، قادر على الإعادة بطريق الأولى، ولكن أكثر الناس، وهم مشركو العرب ينكرون البعث، من غير تأمل ولا تدبر وإمعان فكر.
ودليل آخر على إمكان البعث : قدرة اللّه الخارقة، فالله مالك السماوات والأرض، والحاكم فيهما، والمتصرف بهما وحده في الدنيا والآخرة، ويوم تقوم القيامة، يخسر المكذبون الكافرون المتعلقون بالأباطيل، بدخول جهنم، يظهر خسرانهم في ذلك اليوم، لصيرورتهم إلى النار.
ومن أهوال القيامة : ترى كل أمة (جماعة عظيمة من الناس يجمعها معنى أو وصف شامل لها) جاثية على الركب، وهي هيئة المذنب الخائف، فهم لشدة الأمر، يجثون على الركب بين يدي اللّه عند الحساب، وكل أمة تدعى إلى كتابها المنزل


الصفحة التالية
Icon