تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٤٤٢
لكن طاعة وقول معروف : أحسن أو أمثل، فذلك هو الأمر المرضي لله تعالى، فإذا جدّ الحال ووجب، أي وفرض القتال، فلو صدقوا في ذلك القول، وفي القتال، وأطاعوا اللّه تعالى، وأخلصوا له النية، لكان إظهار الإيمان والطاعة خيرا لهم من المعصية والمخالفة. ثم وبخهم اللّه تعالى على تقصيرهم، فلعلكم إن توليتم عن الطاعة والجهاد، وأعرضتم عن الإسلام أو عن القتال وتنفيذ أحكامه، أن تعودوا إلى ما كنتم عليه في الجاهلية، فتسفكوا الدماء، وتفسدوا في الأرض بالبغي والظلم، والنهب والسلب وسائر المعاصي، وتقطّعوا أرحامكم بالقتل والعقوق ووأد البنات وارتكاب سائر مفاسد الجاهلية، وبعبارة أخرى : فهل عسى أن تفعلوا إن توليتم غير أن تفسدوا في الأرض، وتقطّعوا أرحامكم؟
ثم صب اللّه عليهم اللعنة، فقال : أولئك الظالمون، وسفاكو الدماء بغير حق :
هم الذين أبعدهم اللّه من رحمته، وطردهم عنها، فأصمهم في الدنيا عن استماع الحق، وأعمى أبصارهم عن رؤية الحق «١»، وعن النظر في أدلة الكون الدالة على عدالة نظام اللّه تعالى، وشرعه في عباده، من تحريم الدماء والأموال بغير حق، وهذا نهي عن الإفساد في الأرض عموما، وعن قطع الأرحام خصوصا، ويتضمن الأمر بالإصلاح في الأرض، وصلة الأرحام، وهو الإحسان إلى الأقارب.
أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال : وخلق اللّه تعالى الخلق، فلما فرغ منه، قامت الرحم، فأخذت بحقوي «٢» الرحمن عز وجل، فقال : مه، فقالت : هذا مقام العائذ بك من القطيعة، فقال تعالى : ألا ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟ قالت : بلى، قال : فذاك لك»
قال أبو هريرة
(٢) الحقو : الإزار أو الخصر، والمراد هنا : أنه مجاز عن شدة التعلق واللجوء إلى اللّه والاستعانة به.