تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٤٤٥
ما جاء به، والتخلف عن الجهاد معه، واللّه عالم بتآمرهم سرا، وبكل ما بيّتوه من مكائد ومؤامرات. وهذا مثل قولهم في آية أخرى : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ.. [الحشر : ٥٩/ ١١].
وحالهم عند الموت في غاية السوء، فإن الملائكة عند قبض أرواحهم تستخرجها بعنف وقهر، وتضرب وجوههم وظهورهم، أي إنهم إذا خافوا من فرض القتال وقراع الأعداء، فكيف يكون فزعهم وجزعهم إذا توفتهم الملائكة؟!.
وسبب أهوال موتهم : اتباعهم ما أسخط اللّه، من الكفر والمعاصي، وتآمرهم مع أعداء اللّه، على معاداة النبي صلّى اللّه عليه وسلّم، وكراهيتهم ما يرضي اللّه من الإيمان الصحيح وتوحيد اللّه وطاعته، فأبطل اللّه أعمالهم الخيرية قبل الردة وبعدها كالصدقة وإغاثة الملهوف، لأنهم فعلوها في حال الكفر، كما جاء في آية أخرى : وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً (٢٣) [الفرقان : ٢٥/ ٢٣].
ثم وبخ اللّه المنافقين وهددهم بقوله : أيظن هؤلاء المنافقون الذين في قلوبهم شك ونفاق وحقد وعداوة للمؤمنين أن اللّه لن يكشف أحقادهم وعداوتهم؟ إنهم مخطئون في هذا، فالله عالم الغيب والشهادة، يعلم السر وأخفى.
ولو نشاء أيها النبي لعيّناهم بالأسماء والتعريف التام ولعرفتهم بعلاماتهم المميزة، ولكنه تعالى لم يعينهم إبقاء عليهم وعلى قراباتهم، وو اللّه لتعرفنهم في لحن القول، أي الأسلوب المعتمد على التعريض والتلويح، والمنحى والمقصد، واللّه يعلم جميع أعمالهم، فيجازيهم عليها من خير أو شر، وهذا وعد ووعيد، روى مسلم وأحمد عن حذيفة ما يدل على أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم عرّفه بهم أو ببعضهم.
ومنهج الحياة : الاختبار، فلنختبرنكم أيها المنافقون وغيركم بالأوامر والنواهي


الصفحة التالية
Icon