تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٤٥٥
الشجرة حين أخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الأهبة لقتال قريش، لما بلغه مقتل عثمان بن عفان رضي اللّه عنه، الذي أرسله لمفاوضة قريش، قبل أن ينصرف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من الحديبية، وكان معه ألف وأربع مائة رجل، وبايعهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على الصبر المتناهي في قتال العدو إلى أقصى الجهد، حتى قال سلمة بن الأكوع وغيره : بايعنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على الموت. وقال ابن عمر وجابر : على ألا نفرّ.
والمبايعة مفاعلة من البيع، لأن اللّه تعالى اشترى منهم أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة، ثم صار اسم البيعة يطلق على معاقدة الخلفاء والملوك. وعلى هذا سمّت الخوارج أنفسها الشّراة، أي الذين اشتروا بزعمهم الجنة بأنفسهم.
ومعنى الآية : إن الذين يبايعونك أيها الرسول بيعة الرضوان بالحديبية : تحت الشجرة على قتال قريش، إنما يبايعون اللّه، أي يطيعونه ويعاهدونه على امتثال أوامره، وصفقتهم إنما يمضيها اللّه تعالى ويمنح الثمن، أي الثواب عليها، فمن بايع النبي في الظاهر، فقد بايع اللّه في الحقيقة والواقع.
وأكد اللّه هذا المعنى بقوله : يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ أي بأنّ عقد الميثاق مع الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم كعقده مع اللّه تعالى على السواء، وأن اللّه حاضر معهم، يسمع أقوالهم ويرى مكانهم، ويعلم ضمائرهم وظواهرهم، واللّه تعالى هو المبايع حقيقة بوساطة رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم، فهو السفير المعبر عن اللّه، وسفارته بين اللّه وأوليائه المؤمنين.
فمن نقض البيعة مع النبي صلّى اللّه عليه وسلّم، فإنما وبال نقضه وضرره على نفسه، لا يجاوزه إلى غيره. ومن وفى بالعهد وثبت عليه، ونفّذ ما عاهد عليه الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم في البيعة، فسيؤتيه اللّه ثوابا جزيلا، ويدخله الجنة، كما عبر اللّه تعالى : لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً [الفتح : ٤٨/ ١٨].