تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٤٦٩
و رسوله، فربما أخطأتم، واتقوا الله في كل أموركم، وراقبوه في تجاوز ما لم يأذن به الله تعالى ورسوله، فإن الله سميع لأقوالكم، عليم بأفعالكم ونياتكم. وهذا نهي صريح عن مخالفة القرآن والسنة.
نزلت- كما
روى البخاري والترمذي وغيرهما- لما قدم وفد بني تميم، فقال أبو بكر رضي الله عنه : يا رسول الله، لو أمّرت الأقرع بن حابس، وقال عمر رضي الله عنه :
يا رسول الله، بل أمّر القعقاع بن معبد، فقال أبو بكر : ما أردت إلا خلافي، فقال عمر : ما أردت خلافك، وارتفعت أصواتهما، فنزلت الآية في ذلك.
وأكّد الله تعالى الأدب السابق بغض الصوت، فيا أيها المؤمنون، إذا خاطبتم رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم، فلا ترفعوا أصواتكم فوق صوته، لأن ذلك يدل على ترك الاحترام والأدب، وخاطبوه بالسكينة والوقار والصوت الهادئ، خلافا لعادتكم مع بعضكم برفع الصوت، والجهر غير المعتاد بالقول، ولا تقولوا : يا محمد، ويا أحمد، ولكن :
يا نبي الله، أو يا رسول الله، توقيرا له، واحتراما لرسالته، نهاكم الله عن رفع الصوت المزعج، خشية أن يذهب ثواب أعمالكم، أو وقوعكم في الكفر، من حيث لا تشعرون بذلك. أخرج ابن جرير عن قتادة قال : كانوا يجهرون له بالكلام، ويرفعون أصواتهم، فأنزل الله : لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ الآية.
ثم رغب القرآن في خفض الصوت، فقال الله تعالى : إن الذين يخفضون أصواتهم أثناء مكالمة النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أو في مجالسه، أخلص الله قلوبهم للتقوى، وجعلها أهلا ومحلا لها، أو اختبرها وطهّرها كما يمتحن الذهب بالنار، فيسّرها وهيأها للتقوى، ولهم مغفرة لذنوبهم، وثواب عظيم على تأدبهم بخفض الصوت وسائر الطاعات. نزلت- كما أخرج ابن جرير- في ثابت بن قيس الذي آلى على نفسه ألا يرفع صوته أبدا على صوت رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم. وقال ابن عباس : لما نزل قوله تعالى : لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ