تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٤٨٥
من ذلك، وعندنا كتاب حافظ شامل لعددهم وأسمائهم وتفاصيل الأشياء كلها، وهو اللوح المحفوظ. إنه تعالى يعلم ما تأكل الأرض من ابن آدم وما تبقي منه، وأن ذلك في كتاب، وكذلك يعود في الحشر، معلوما ذلك كله. والحفيظ : الجامع الذي لم يفته شي ء.
وسبب كفرهم وعنادهم : أن كفار قريش في الواقع كذبوا بالقرآن وبنبوة محمد صلّى اللّه عليه وسلّم الثابتة بالمعجزات، وكان تكذيبهم من غير ترو، ولا تدبر وتفكر، وإنما بمجرد تبليغهم به من قبل هذا الرسول، فهم في أمر مضطرب مختلط من دينهم، يقولون مرة عن القرآن والنبي : ساحر وسحر، ومرة : شاعر وشعر، ومرة : كاهن وكهانة، فهم في قلق واضطراب، لا يدرون ماذا يفعلون.
ثم استدل اللّه تعالى على قدرته العظيمة على البعث وغيره بدليل حسي مشاهد لهم :
أ فلم ينظر هؤلاء الكفار نظرا واضحا إلى هذه السماء المخلوقة العجيبة، فهي مرفوعة بلا عمد، ومزينة بالكواكب، ومبنية بناء راسخا، ليس فيها شقوق وصدوع وفتوق، ثم ألم ينظروا أيضا إلى الأرض التي بسطناها ووسعناها، وألقينا فيها جبالا ثوابت لئلا تضطرب بأهلها، وأنبتنا فيها من كل صنف نباتي ذي بهجة وجمال وحسن منظر.
فعلنا ذلك ليتبصّر العباد والمنيبون الراجعون إلى ربهم وطاعته، ويتفكروا في بدائع مخلوقاته، ويتذكروا هذه الأدلة، وخص اللّه تعالى بالذكر العبد المنيب وأفرده تشريفا، من حيث إن هؤلاء العباد هم المنتفعون بالتبصرة والذكرى.
وكيفية الإنبات من التراب التي يشبهها إعادة الخلق أو البعث والحشر : أن اللّه قال : لقد أنزلنا من السحاب المطر الكثير النفع، المنبت كل شي ء من الأشجار في البساتين، ومن الحبوب التي تحصد كالقمح والشعير ونحوهما. وأنبتنا أيضا به النخيل الجميل الطويل الشاهق في السماء، والتي لها طلع (أول ما يخرج من ثمر النخيل)