تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٤٩٨
تستعجلون أو تطلبون تعجيله، استهزاء منكم، وظنا أنه غير كائن، واستعجالهم هو قولهم : أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ وغير ذلك من الآيات التي تقتضي استعجالهم على جهة التكذيب منهم.
يفهم من هذه الآيات أن وقوع البعث أمر مقطوع به، ولو لا التأكيد عليه، لما أقسم اللّه بهذه المخلوقات، والقسم عليها بغير بدئها بالحروف الأبجدية هو الظاهرة الشائعة في القرآن لإثبات أصول العقيدة : وهي التوحيد، والنبوة، والبعث، فسورة الصافات مثلا أقسم اللّه فيها لإثبات توحيد الذات الإلهية، فقال : إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ (٤) [الصافات : ٣٧/ ٤]. وسورة النجم والضحى، أقسم اللّه فيها على صدق الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال : وَالنَّجْمِ إِذا هَوى (١) ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى (٢) [النجم : ٥٣/ ١- ٢].
وقال : وَالضُّحى (١) وَاللَّيْلِ إِذا سَجى (٢) ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى (٣) [الضحى : ٩٣/ ١- ٣].
وبقية السور كان المقسم عليه كما في الذاريات هو البعث والجزاء.
ويلاحظ أيضا أن اللّه تعالى أقسم بجموع المؤنث السالم في سور خمس، ففي سورة (الصافات) لإثبات الوحدانية أقسم اللّه بالساكنات، وفي بقية السور، أقسم بالمتحركات لإثبات الحشر، فقال :«و الذاريات» «و المرسلات» «و النازعات» «و العاديات» لأن في الحشر جمعا وتفريقا، وهو يناسب الحركة.
وتعجل العرب المشركين العذاب، وإصرارهم على كفرهم : هو الذي جعلهم يسألون استهزاء وشكا في القيامة وعنادا، متى يوم الحساب؟ فكان جواب الخالق :
إنه اليوم الذي تحرقون فيه في نار جهنم، وضم إليه التوبيخ والتهكم بهم قائلا منه أو من طريق الخزنة : ذوقوا عذابكم وجزاء تكذيبكم، ذلك العذاب الذي استعجلتم به في الدنيا.