تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٥١٨
أنت عليه من تذكير الناس وموعظتهم، فلست بحمد اللّه بكاهن تدعي الإخبار عن الماضي بلا وحي، ولا بمجنون : يتخبطه الشيطان من المس.
بل يقولون : إنه شاعر ننتظر به حوادث الأيام ومصائبها، فيموت كما مات غيره، والريب : الشك، وأطلق على الحوادث على سبيل الاستعارة التصريحية، لعدم البقاء والدوام على الحال، والمنون : الدهر، لأنه يقطع الأجل، وهذا إنكار من اللّه عليهم باتهامهم الرسول مما ليس فيه، ثم هددهم اللّه : فقل لهم أيها الرسول :
انتظروا موتي أو هلاكي، فإني معكم من المنتظرين عاقبة الأمر، وقضاء اللّه فيكم.
أ أنزل عليهم شي ء من السماء، أم تأمرهم عقولهم بهذا الكلام المتناقض، وهو زعمهم أن القرآن سحر أو كهانة، أو شعر، وقولهم في الرسول : إنه كاهن أو شاعر أو مجنون. أم إنهم قوم طغاة تجاوزوا الحد في العناد والضلال عن الحق.
أم إنهم يقولون : إن محمدا اختلق القرآن وافتراه من عند نفسه، بل في الواقع إنهم لا يؤمنون بالله، ولا يصدقون بما جاء به رسوله.
فإن ص دقوا في زعمهم هذا بأن محمدا افترى القرآن، فليأتوا بمثل هذا القرآن في نظمه وسمو بلاغته، وبديع أسلوبه، وعظمة بيانه. والواقع أنهم لو اجتمعت معهم الجن وجميع الإنس، ما جاؤوا بمثله أو بمثل سورة منه ذات موضوع معين.
ثم أبطل اللّه شرك المشركين وردّ على إنكارهم وحدانية الخالق، فهل وجدوا من غير موجد، أم إنهم أوجدوا أنفسهم؟ وبما أن الأمرين منتفيان عقلا وواقعا، فالله هو الذي خلقهم، وهو الإله الواحد.
وهل خلقوا السماوات والأرض وما فيهما من العجائب، وأسباب العيش، ليدعوهم ذلك إلى التكبر، بل في الواقع إنهم غير مستيقنين حقا بأن اللّه هو الخالق، خلافا لإقرارهم، فهم لا يوقنون ولا ينظرون نظرا يؤديهم إلى اليقين. وخص اللّه من


الصفحة التالية
Icon