تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٥٢١
«١» «٢» [الطور : ٥٢/ ٤٤- ٤٩].
كانت قريش في جملة ما اقترحت تحقيقه : أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً [الإسراء : ١٧/ ٩٢]. فإن ير هؤلاء المشركون قطعا من نار السماء ساقطة عليهم لتعذيبهم، لما صدّقوا ولما أيقنوا، ولما انتهوا عن كفرهم، وإنما يقولون : هذا سحاب متراكم بعضه على بعض، نرتوي به، وهذا مثل حسي للمكابرة، لإنكارهم ما تبصره الأعين، مفاده : لو رأوا كسفا ساقطا حسب اقتراحهم، لبلغ بهم الغلو والبعد عن الحق أن يغالطوا أنفسهم وغيرهم.
فإذا كان هذا شأنهم، ولم يتركوا كفرهم، فدعهم أيها الرسول، ولا تأبه بهم، حتى يأتي يوم مصرعهم أو موتهم أو قتلهم، مثل يوم بدر. والصعق : التعذيب في الجملة.
وذلك اليوم هو اليوم الذي لا ينفعهم فيه مكرهم ولا كيدهم لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في الدنيا، ولا يمنع عنهم العذاب النازل بهم، ولا ينصرهم ناصر، بل هو واقع بهم لا محالة.
وإن للظالمين أنفسهم بالكفر والمعاصي، ومكايدة النبي وعبادة الأوثان، عذابا دون أو قبل عذاب الآخرة، وهو إما قتلهم يوم بدر والفتح ونحوهما، وإما مصائب الدنيا من الأوجاع والأسقام، وإما عذاب القبر أو الجوع والقحط، غير أن أكثرهم لا يعلمون ما سينزل بهم من العذاب والبأس. وهذا كما في آية أخرى : وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٢١) [السجدة : ٣٢/ ٢١].

(١) أي لأمره في الإنذار والتبليغ، وانتظار وعده.
(٢) بحراستنا وحفظنا.


الصفحة التالية
Icon