تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٥٢٦
صورة جبريل، وإنما كان في كامل وعيه، وكان فؤاده صادقا، فتكون عينه أصدق، فكيف تجادلونه وتكذبونه معشر قريش فيما رآه بعينه رؤية مشاهدة محسوسة؟ وقوله :
أَ فَتُمارُونَهُ «١» خطاب لقريش معناه : أتكذبون فتجادلونه على ما يراه معاينة؟ ولم يرو قط أن محمدا صلّى اللّه عليه وسلّم رأى ربه عز وجل قبل ليلة الإسراء. ولكن لا مانع من رؤية القلب.
أخرج مسلم والترمذي وأحمد : أن أبا ذر سأل النبي صلّى اللّه عليه وسلّم : هل رأيت ربّك؟ فقال :
«نور أنى أراه».
ولقد رأى محمد صلّى اللّه عليه وسلّم جبريل نازلا مرة أخرى على صورته التي خلقه اللّه عليها، وذلك في ليلة الإسراء، عند سدرة المنتهى التي هي في المشهور : شجرة في السماء السابعة، وعندها الجنة التي تأوي إليها أرواح المؤمنين.
ونحن نؤمن بسدرة المنتهى، على النحو الوارد في ظاهر القرآن الكريم، دون تعيين مكانها وأوصافها.
وتلك السدرة يحيط بها من الخلائق الدالة على عظمة اللّه وجلاله ما يحيط، مما لا يحصره وصف ولا عدد. وهذا يشعر بالتعظيم والتكثير.
ما مال بصر النبي صلّى اللّه عليه وسلّم عما رآه، وما تجاوز ما رأى، فرؤية جبريل وغيره من مظاهر ملكوت اللّه رؤية عين، وليست من خدع البصر، وهذا يؤكد أن معراج النبي صلّى اللّه عليه وسلّم إلى السماء كان بالروح والجسد.
لقد رأى في ليلة المعراج من آيات ربه العظام ما لا يحيط به الوصف، وهو رؤية جبريل على صورته، وسائر عجائب الملكوت و(الكبرى) : وصف ل (آيات). وهذا كما جاء في آية أخرى : لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا [الإسراء : ١٧/ ١] ولكن دون تحديد المرئي، للإشارة إلى تعظيمه وأهميته.