تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٥٣٩
و هذه الأنباء وما فيها من عبرة وعظة وهداية : حكمة بالغة كاملة، قد بلغت منتهى البيان، ليس فيها نقص ولا خلل، فلا تفيدهم الإنذارات شيئا بسبب عنادهم الذي يصرفهم عن الحق، كما جاء في آية أخرى : وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ [يونس : ١٠/ ١٠١] وكلمة (ما) إما نافية، أو استفهامية بمعنى التقرير، أي فما غناء النذر مع هؤلاء الكفرة؟ والحكمة البالغة : هي المؤثرة تأثيرا بالغا في وعظ النفوس.
فأعرض عنهم يا محمد، ولا تتعب نفسك بدعوتهم، حيث لا يؤثر الإنذار فيهم، بعد هذا العناد والمكابرة، وانتظرهم، واذكر يوم يدعو الداعي فيه وهو إسرافيل، إلى شي ء هائل تنكره نفوسهم، استعظاما له، إذ لا عهد لهم بمثله أبدا، وهو موقف الحساب الرهيب، وما يشتمل عليه من الأهوال والبلايا. وكلمة (نكر) : منكور غير معروف، ولا يرى مثله، وهو نعت للأمر الشديد، وهذا وعيد لهم.
وذلك اليوم هو يوم يخرج الناس من قبورهم، ويكون الكفار ذليلة أبصارهم، من الذل والهوان، كأنهم لانتشارهم واختلاطهم إذا توجهوا نحو المحشر والداعي : جراد منتشر موزع في الآفاق، أو مثل الفراش المبثوث، كما في آية أخرى : يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ (٤) [القارعة : ١٠١/ ٤].
ويكونون مهطعين، أي مسرعين في مشيهم نحو المقصد، إما لخوف أو طمع ونحوه، ويسيرون نحو الداعي لهم وهو إسرافيل دون تلكؤ ولا تأخر، ويقول الكافرون : هذا يوم صعب، شديد الهول على الكفار، ولكنه ليس بشديد على المؤمنين. وشدته لما يرون من مخايل هوله وعلامات مشقته. وذلك كما جاء في آية أخرى : فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (٩) عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (١٠) [المدثر : ٧٤/ ٩- ١٠].
ويدل ذلك بطريق المفهوم على أنه يوم هيّن يسير على المؤمنين.


الصفحة التالية
Icon