تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٥٥٤
ثم ذكر الله تعالى ما في الأرض من نعم كثيرة في مقابل السماء، فالله هو الذي وضع الأرض وبسطها لينتفع بها الناس، وأرساها بالجبال الراسخات ليستقر الناس على وجهها.
ثم أوجد الله طرق المعايش في الأرض، ففيها كل ما يتفكه به من أنواع الثمار المختلفة الألوان والطعوم والروائح، وفيها أشجار النخيل ذات أوعية الطلع وأغطية النّور والزهر الذي يتحول بعدئذ إلى تمر، وفيها جميع ما يقتات الإنسان من الحبوب كالحنطة والشعير والذرة ونحوها، ذات العصف : وهو ورق الزرع الجاف، ويتحول إلى التبن الذي هو رزق البهائم، وفيها كل مشموم من النبات ذي الرائحة الجميلة، وتنكير كلمة (فاكهة) وتعريف كلمة (النخل والحب) لأن الفاكهة تكون في بعض الأزمان وعند بعض الأشخاص، أما ثمر النخيل والحب فهو قوت محتاج إليه في كل زمان، متداول في كل وقت، ويحتاج إليه جميع الأشخاص، وكذلك الريحان الذي لا يفارق أغلب النباتات.
فبأي النعم المتقدمة يا معشر الجن والإنس تكذبان؟ فهي من الرب المنعم الذي يتعهد عباده بالتربية والنماء، فيكون هو الجدير بالحمد والشكر على كل حال.
والضمير قوله : رَبِّكُما للجن والإنس. وعرف ذلك إما من قوله : لِلْأَنامِ أي الثّقلان، وإما من تفسيرهما في قوله تعالى : خَلَقَ الْإِنْسانَ ووَ خَلَقَ الْجَانَّ.
ويقال بعد ذلك : لا بشي ء من نعمك ربنا نكذب، فلك الحمد ولك الشكر.
وقد تكررت هذه الآية فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٣) في سورة الرحمن إحدى وثلاثين مرة، بعد كل خصلة من النعم، وجعلها الله فاصلة بين كل نعمتين، لتأكيد التذكير بالنعمة، وتقريرهم بها، وللتنبيه على أهميتها، والنعم تشمل دفع المكروه، وتحصيل المقصود.


الصفحة التالية
Icon