تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٥٧١
أكثر من الآخرين الذين عبّر عنهم بالقليل، والأولون : هم في رأي مكي وغيره الأنبياء الذين كانوا في صدر الدنيا أكثر عددا. أو هم في رأي الحسن وغيره السابقون من الأمم، والسابقون من هذه الأمة (أتباع النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم).
أخرج أحمد وابن المنذر، وابن أبي حاتم بسند فيه من لا يعرف عن أبي هريرة قال : لما نزلت : ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٣) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (١٤) شقّ ذلك على المسلمين، فنزلت : وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (٤٠).
ولا أرى تعارضا بين هذه الآيات، فهي في السابقين المقرّبين، وآية : ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (٣٩) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (٤٠) فهي في أصحاب اليمين.
وروي عن عائشة رضي اللّه عنها أنها تأوّلت أن الفريقين في أمة كل نبي : هي في الصّدر ثلة، وفي آخر الأمة قليل. و
روى سفيان الثوري عن أبان عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم :«الثّلّتان جميعا من أمّتي».
وحال هؤلاء المقرّبين : هم في الجنة متكئون على أسرّة منسوجة بخيوط الذهب، مشبكة بالدّر والياقوت والزّبرجد، في حال التقابل، لا ينظر بعضهم إلى قفا بعض، وهم في حبور وسرور، وصفاء واطمئنان.
- يدور عليهم للخدمة غلمان باقون على صفة واحدة، لا يهرمون ولا يتغيرون، ولا يبعد أن يكونوا كالحور العين مخلوقين في الجنة، للقيام بهذه الخدمة.
- يطوفون على أهل الجنة السابقين بأكواب لا عرى لها ولا خراطيم، وبأباريق لها العرى والخراطيم، وبكؤوس مترعة من خمر الجنة الجارية من الينابيع والعيون، ولا تعصر عصرا كخمر الدنيا، فهي صافية نقية من الكحول المسكر، لا تتصدّع رؤوسهم من شربها، ولا يسكرون منها، فتذهب عقولهم.