تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٥٩٢
مأواهم، وهذه هي نهاية أهل السعادة من المؤمنين الأبرار، وعاقبة أهل الشقاوة ممن نافقوا في الدنيا، فأظهروا الإيمان، وأبطنوا الكفر والضلال. وذلك إنذار واضح ووعيد شديد للمنافقين والمنافقات، كما في هذه الآيات الآتية :
[سورة الحديد (٥٧) : الآيات ١٣ الى ١٥]
يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ (١٣) يُنادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قالُوا بَلى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (١٤) فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٥)
«١» «٢» «٣» «٤» «٥» «٦» «٧» «٨» [الحديد : ٥٧/ ١٣- ١٥].
يوم يقول المنافقون : متعلّق بآخر الآية السابقة، فالعمل فيه هو قوله تعالى :
ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ «٩»، كأنه تعالى يقول : إن المؤمنين يفوزون بالرحمة يوم يعتري المنافقين كذا وكذا، وهو عند انطفاء أنوارهم، فيقولون للمؤمنين : انتظرونا حتى نتّبعكم ولعلنا نستضي ء بنوركم، ونخرج من هذا الظلام الدامس، فيجابون بما يخيب الآمال ويقال لهم من قبل الملائكة أو من المؤمنين :
ارجعوا إلى الدنيا التي تركتموها وراءكم، فالتمسوا النور بما التمسناه به، من الإيمان والعمل الصالح، وهذا تهكّم بهم واستهزاء بطلبهم. وينتهي الحوار بأن يضرب بين المؤمنين وبين المنافقين سور أو حاجز، باطنه، أي جانبه الذي يلي أهل الجنة : فيه الرحمة، وهي الجنة ونعيمها، وظاهره البادي، أي جانبه الذي يلي المنافقين أهل النار، من جهته عذاب جهنم. فالرحمة : الجنة، والعذاب : جهنم.

(١) انتظرونا.
(٢) نستضي ء بنوركم.
(٣) حائط حاجز بين الجنة والنار.
(٤) امتحنتموها بالنفاق وأهلكتموها بالمعاصي.
(٥) توقعتم الدواهي، وشككتم في أمر اللّه تعالى.
(٦) طول الأمل وامتداد الأجل.
(٧) الشيطان.
(٨) مكان إيوائكم النار هي أولى بكم.
(٩) وقال الزمخشري في الكشاف ٣/ ٢٠١ : يوم يقول : بدل من : يوم ترى. وهذا أصوب في تقديري.


الصفحة التالية
Icon