تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٦١٥
و الدارمي وأحمد، عن أبي هريرة : أن النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال :«لا يقم الرجل الرجل من مجلسه، فيجلس فيه، ولكن تفسّحوا وتوسّعوا».
فيكون القيام من المجلس منهيّا عنه، لهذا الحديث. أما القيام إجلالا للقادم فجائز بالحديث الذي
أخرجه البخاري وأبو داود وأحمد، عن أبي أمامة بن سهل : أن النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم حين أقبل سعد بن معاذ رضي اللّه عنه قال :«قوموا إلى سيدكم».
وواجب على المعظّم ألا يحبّ ذلك ويأخذ الناس به، لحديث أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي عن معاوية :«من أحبّ أن يتمثّل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار».
وإذا قيل لكم ارتفعوا وقوموا من المجلس، فافعلوا ذلك، وقد نزلت الآية آمرة بالقيام من المجلس، متى فهم ذلك بقول أو فعل، تمكينا من جلوس آخرين.
أخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل : أنها نزلت يوم الجمعة، وقد جاء ناس من أهل بدر، وفي المكان ضيق، فلم يفسح لهم، فقاموا على أرجلهم، فأقام صلّى اللّه عليه وسلّم نفرا بعدّتهم، وأجلسهم مكانهم، فكره أولئك النفر ذلك، فنزلت آية وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا.
وعلّة الأمر بالقيام للآخرين، وهو جواب الأمر بالنشوز أو النهوض : هو أن اللّه تعالى يرفع منازل المؤمنين في الدنيا والآخرة، بتوفير نصيبهم فيها، ويرفع أيضا بصفة خاصة منازل العلماء درجات عالية، في الكرامة في الدنيا، والثواب في الآخرة، فمن جمع الإيمان والعمل رفعه اللّه بهما درجات، ومنه الرفع في المجالس، واللّه خبير بمن يستحق ذلك وبمن لا يستحقه، مطّلع على أحوال ونوايا جميع عباده، ومجازيهم عليها بما يناسب، من خير أو شرّ.
ثم أمر اللّه تعالى بالصدقة قبل مناجاة الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم.
أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : إن المسلمين أكثروا المسائل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حتى شقّوا عليه، فأراد