تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٦٢٦
العامة. أما الغنيمة فيصرف خمسها لهؤلاء الأصناف الخمسة المذكورين في الآية، وآية الغنائم : وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ... [الأنفال : ٨/ ٤١]، والأربعة الأخماس الباقية للمقاتلين في المعركة.
وعلّة هذا التقسيم وحكمه : ألا يكون تداول الأموال محصورا بين الأغنياء فقط، ولا يصيب الفقراء منه شي ء، فيغلب الأغنياء الفقراء، ويقسمونه بينهم، وهذا مبدأ إغناء الكل.
وما أمركم به الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم فخذوه، وما منعكم عنه فاتركوه، وخافوا اللّه بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، إن اللّه شديد العقاب لمن عصاه، وخالف أمره، وارتكاب ما زجر عنه. ثم بيّن اللّه تعالى حال الفقراء المستحقّين للفي ء، فسهم هؤلاء غير سهم اللّه والرسول، وهم فقراء المهاجرين الذين أبعدوا من ديارهم وأموالهم، طلبا لمرضاة اللّه وفضله، وإعلاء كلمة اللّه ودينه، ونصرة اللّه ورسوله بجهاد الأعداء، هؤلاء المهاجرون هم الصادقون في إيمانهم، الذين صدّقوا قولهم بفعلهم.
ثم يعطى سهم للأنصار الذين سكنوا المدينة دار الهجرة، من قبل مجي ء المهاجرين، ويحبّون المهاجرين، ويواسونهم بأموالهم، ولا يجدون في أنفسهم حاجة أي حسدا أو حقدا بسبب ما أوتي المهاجرون دونهم، بل طابت أنفسهم بذلك، ويقدمون غيرهم على أنفسهم في حظوظ الدنيا، ولو كان بهم حاجة وفقر، ومن كفاه اللّه داء بخل نفسه ووقي من ذلك، فأدى ما يجب عليه شرعا من زكاة أو حقّ، فقد فاز وظفر بكل المطلوب. والإيثار على النفس أكرم خلق.
والذين أتوا في الزمان من بعد المهاجرين والأنصار، وهم التابعون لهم بإحسان يقولون : ربّنا اغفر لنا، ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، وانزع من قلوبنا الغلّ أو الحقد والبغض والحسد للمؤمنين قاطبة، فإنك يا ربّ واسع الرأفة، كثير الرحمة،