تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٦٢٩
و أسلوب المنافقين واليهود في قتال المؤمنين أنهم لا يواجهون جيش الإسلام مواجهة، ولا يقاتلونهم مجتمعين، وإنما يقاتلونهم من وراء الحصون والقلاع، أو من خلف الأسوار التي يتستّرون بها، لجبنهم ورهبتهم، وحربهم الدائرة بينهم شديدة، تظنهم جميعا متوحّدين، وهم متفرّقون، لما بينهم من أحقاد وعداوات، ولأنهم قوم لا يعقلون الحق وأمر اللّه. وبأسهم : أحقادهم وأضغانهم.
ولهم أشباه ونظائر، فهؤلاء اليهود والمنافقون أصابهم مثل ما أصاب كفار قريش يوم بدر، في السنة الثانية من الهجرة، ومثل ما أصاب من قبلهم من يهود بني قينقاع الذين أجلاهم النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم من المدينة إلى أذرعات بالشام، بعد سنة ونصف من الهجرة، إنهم ذاقوا في زمان قريب سوء عاقبة كفرهم في الدنيا، ولهم عذاب مؤلم جدّا في الآخرة. ولهم مثل آخر، فإنهم مثل الشيطان الذي سوّل للإنسان الشّر، وأغراه بالكفر وزيّنه له، وحمله عليه، فلما كفر مطاوعة للشيطان، تبرأ الشيطان منه، وقال على وجه التّبري من الإنسان : إني أخاف عذاب اللّه ربّ العالمين إذا ناصرتك، أي ان مثل هاتين الفرقتين من المنافقين وبني النضير كمثل الشيطان والإنسان، فالمنافقون مثلهم الشيطان، وبنو النضير مثلهم الإنسان.
فكان عاقبة الفريقين : فريق المنافقين واليهود، وعاقبة الشيطان الآمر بالكفر والإنسان المستجيب لوسوسة الشيطان : أنهما صائران إلى نار جهنم، خالدان فيها على الدوام، وذلك الجزاء وهو الخلود في النار هو جزاء الكافرين جميعا.
التذكير بالآخرة
تكرر في القرآن الكريم كثيرا الأمر بتقوى اللّه التي هي التزام المأمورات، واجتناب المنهيات، وذلك فيما يقارب مائتين وأربعين مرة، إما بالأمر، أو بالخبر،