تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٦٣٥
- ويمدّوا إليكم أيديهم بالضرب والأذى والقتل وغير ذلك من صنوف الاعتداء، وينالوكم بألسنتهم وكلماتهم سبّا وقذفا وشتما وبكل إساءة.
- ويتمنّوا ارتدادكم وكفركم بربّكم ورجوعكم إلى الكفر، فهم يحرصون على ألا تنالوا خيرا، فعداوتهم لكم كامنة وظاهرة، فكيف توالون مثل هؤلاء الذين يبتدءونكم بالعداوة والسوء؟! ورابطة الدين والإيمان أنفع لكم من رابطة القرابة والموالاة، فلن تفيدكم يوم القيامة أقاربكم وأولادكم، حتى توالوا الكفار لأجلهم، كما وقع في قصة حاطب ابن أبي بلتعة التي هي سبب نزول هذه الآيات، بل الذي ينفعكم هو ما أمركم اللّه به من معاداة الكفار، وترك موالاتهم، وتوثيق صلات الإيمان وأخوة الدين، لقوله تعالى : إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات : ٤٩/ ١٠]. ففي الآخرة يفرّق اللّه بينكم، فيدخل أهل طاعته الجنة، وأهل معصيته النار، واللّه مطّلع على أعمالكم، ومبصر بها، ومجازيكم عليها إن خيرا فخير، وإن شرّا فشرّ.
والقصد من هذه الآية : أن القرابة النّسبية لا تنفع شيئا عند اللّه تعالى، إن أراد اللّه بكم سوءا، ولن تفيدكم القرابة إذا أرضيتموها بما يسخط اللّه، ومن وافق أهله على الكفر، فقد خاب وخسر وضلّ عمله، ولو كان قريبا لنبي أو منسوبا لآل البيت الطاهرين، لقوله تعالى في الأبوين : وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً [لقمان : ٣١/ ١٥]. هذا في الدنيا.
وأما في الآخرة فيقول اللّه تعالى : فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ (١٠١) [المؤمنون : ٢٣/ ١٠١]. ويقول سبحانه : الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (٦٧) [الزّخرف : ٤٣/ ٦٧].
ألا إن المودّة لا تنفع يوم القيامة إن لم تكن فيما يرضي اللّه، حبّا ومعاداة، لانفصال كل اتّصال يومئذ، واعتماد كل إنسان على ما قدّم لنفسه.