تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٦٤٠
عاهد كفار قريش يوم الحديبية، جاءه نساء من المؤمنات، فأنزل اللّه : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ.. إلى قوله : وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ
و المعنى : يا أيها الذين آمنوا، أي صدّقوا بالله ورسوله، إذا جاءكم النساء اللاتي آمنّ مهاجرات «١» من بلاد الكفار، فاختبروهن وجرّبوهن وتعرفوا حقيقة ما عندهن، لتعلموا صدق رغبتهن في الإسلام، واسألوهن عن سبب مجيئهن. وسماهن اللّه تعالى :
مُؤْمِناتٍ قبل التّيقن من ذلك، عملا بظاهر أمرهن. وقوله : فَامْتَحِنُوهُنَّ أمر بمعنى الوجوب، وقيل : بمعنى النّدب أو الاستحباب.
قال ابن عباس وآخرون في كيفية هذا الامتحان : كان بأن تستحلف المرأة أنها ما هاجرت لبغض زوجها، ولا بجريرة جرّتها، ولا بسبب من أعراض الدنيا، سوى حب اللّه تعالى، ورسوله صلّى اللّه عليه وسلّم والدار الآخرة.
ثم حضّ اللّه تعالى على امتحانهن، واحتمال الاسترابة ببعضهن، فقال : اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ.. أي إن الامتحان في الظاهر فقط، أما في الحقيقة والواقع فلا يعلم حقيقة حالهن إلا اللّه تعالى، واللّه أمركم بالظواهر، وهو يتولى السّرائر، فإن ترجح لكم أو غلب على ظنّكم أنهنّ مؤمنات، فلا تردوهنّ إلى أزواجهن المشركين. وسمي الظنّ علما : من باب الظّن الغالب.
والعلّة في ألا يردّ النساء إلى الكفار : هي امتناع الوطء وحرمته، فليست المؤمنات حلالا للكفار، وإسلام المرأة يوجب فرقتها من زوجها، وليس الكفار حلالا للمؤمنات. وهذه الآية هي التي حرّمت المسلمات على المشركين الوثنيين. وقد كان جائزا في ابتداء الإسلام أن يتزوج المشرك المؤمنة، كزواج أبي العاص بن الربيع بزينب ابنة النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم، ثم أسلم سنة ثمان.