تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٦٤٣
نزلت الآية الأولى يوم فتح مكة، فإنه صلّى اللّه عليه وسلّم لما فرغ من بيعة الرجال، أخذ في بيعة النساء.
أخرج البخاري عن عروة بن الزبير أن عائشة رضي اللّه عنها قالت :«أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يمتحن من هاجرن إليه بهذه الآية : يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ.. الآية، فمن أقرّت بهذا الشرط من المؤمنات، قال لها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :
«قد بايعتك» كلاما، ولا، واللّه ما مسّت يده يد امرأة في المبايعة قط، ما بايعهن إلا بقوله : قد بايعتك على ذلك».
والمعنى : إذا جاءك أيها النّبي المؤمنات بالله ورسوله، يعاهدنك ويقصدن مبايعتك على الإسلام والطاعة، فبايعهن على ألا يشركن بالله شيئا من وثن أو حجر أو ملك أو كوكب أو بشر، ولا يسرقن من أموال الناس شيئا، ولا يزنين، ولا يقتلن أولادهن، أي بالوأد وغيره، وهو ما كانت تفعله الجاهلية من وأد البنات، ولا يلحقن بأزواجهن أولادا ليسوا لهم.
ولا يعصينك في أمر معروف : وهو كل ما وافق طاعة لله، أي كل ما أقرّ به الشّرع، أو نهى عنه، كالنهي عن النّوح وتمزيق الثياب، وجزّ الشعر، وشقّ الجيب، وخمش الوجوه، والدعاء بالويل، والخلوة بالأجنبي غير المحرم، فبايعهن، واطلب من اللّه المغفرة لهن، بعد هذه المبايعة منك، إن اللّه واسع المغفرة لذنوب عباده التائبين، رحيم بهم، فلا يعذبهم بما اقترفوه قبل الإسلام.
وكانت بنود بيعة النساء هذه، قد بويع بها الرجال أيضا.
روى البخاري عن عبادة ابن الصامت قال : كنا عند النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال :«أ تبايعوني على ألا تشركوا بالله شيئا، ولا تزنوا، ولا تسرقوا»؟ قرأ آية النّساء، فمن وفى منكم فأجره على اللّه، ومن أصاب من ذلك شيئا، فعوقب، فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئا، فستره اللّه، فهو إلى اللّه، إن شاء عذّبه، وإن شاء غفر له منها».
لقد أجمع الصحابة على أن النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم لم تمسّ يده الشريفة يد امرأة أجنبية،
أخرج