تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٦٤٧
كأنهم بناء راسخ شامخ. وهذا تأكيد لمحبة اللّه للمقاتلين صفّا. ومحبة اللّه : هي ما يظهر عليهم من نصره وكرامته. والمحبة : صفة فعل، وليست بمعنى الإرادة، لأن الإرادة لا يصح أن يقع ما يخالفها، والمقاتلون على غير هذه الصفة كثيرون.
ثم ذكّر اللّه تعالى بمقالة موسى وعيسى حين كذّبهما القوم، ليكون ذلك ضرب مثل للمؤمنين الذين يقولون ما لا يفعلون، لأن التكذيب تصادم مع الواقع.
واذكر أيها الرسول لقومك خبر موسى عليه السّلام حين قال لقومه بني إسرائيل :
يا قوم لم تلحقون الأذى بي بمخالفة ما آمركم به من الشرائع التي افترضها اللّه عليكم، أو لم تؤذونني بالشّتم والتعييب، وأنتم تعلمون يقينا صدقي فيما جئتكم به من الرسول، فلما زاغوا، أي تركوا الحقّ ولم يتبعوا نبيّهم، أمال اللّه قلوبهم عن الهدى، واللّه لا يوفّق للحق ولا يرشد للهداية القوم الكافرين الذين كفروا بأنبيائهم، وعصوا رسلهم. فاحذروا أيها المؤمنون أن يصيّركم العصيان وقول الباطل إلى مثل حالهم.
واذكر أيضا أيها النّبي لقومك خبر عيسى حين قال : يا بني إسرائيل، إني رسول اللّه إليكم بالإنجيل، لم آتكم بشي ء يخالف التوراة، وإنما أؤيدها وأكملها، فكيف تعصونني؟ وإن التوراة بشّرت بي، وأنا مبشّر بمن بعدي : وهو الرسول العربي أحمد، أي أحمد الناس لربّه، وهو محمد عليه الصّلاة والسّلام، فلما جاء أحمد المبشّر به في الكتب المتقدمة بالمعجزات والأدلّة القاطعة، قال الكفار : هذا سحر واضح لا شك فيه.
أخرج البخاري ومسلم عن جبير بن مطعم قال : سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول :«إن لي أسماء : أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو اللّه به الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي (أي بعدي) وأنا العاقب».
أي الآخر الآتي بعد الأنبياء.