تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٦٥٤
و امتدّت بركة البعثة النّبوية إلى جميع طوائف الناس، من الروم والفرس وغيرهم، حيث أعدّ اللّه لقبول دينه جماعة آخرين : وهم من دخل في الإسلام بعد الصحابة إلى يوم القيامة، وهم لم يلحقوا بالصحب الكرام في ذلك الوقت، وسيلحقون بهم من بعد، واللّه هو القوي الغالب القاهر، ذو العزة والسلطان، القادر على التمكين لأمّة الإسلام في الأرض، وهو ذو الحكمة البالغة في شرعه وقدره، وأفعاله وأقواله، وتدبير خلقه. وكلمة مِنْهُمْ في قوله : وَآخَرِينَ مِنْهُمْ إنما يراد بها في البشرية والإيمان، كأنه تعالى قال : وآخرين من الناس، سواء من العرب أو من غيرهم هم من الأمة الإسلامية.
وكلمة آخَرِينَ إما معطوفة بالنصب على ضمير يُعَلِّمُهُمُ أي يعلّم العرب وغيرهم، أو معطوفة بالجر على قوله تعالى : فِي الْأُمِّيِّينَ أي وبعث في الأمّيين رسولا منهم، وفي آخرين.
وهذا دليل على عموم بعثة النبي صلّى اللّه عليه وسلّم إلى جميع الناس، فهي إلى العرب وغيرهم، ويدلّ على ذلك كتب النبي صلّى اللّه عليه وسلّم إلى ملوك وأمراء فارس والروم وغيرهم من الأمم، يدعوهم فيها إلى اللّه عزّ وجلّ وإلى اتباع ما جاء به. وقوله : لَمَّا نفي لما قرب من الحال، والمعنى : أنهم مزمعون أن يلحقوا بهم. وهي (لم) زيدت عليها (ما) للتأكيد.
هذه البعثة النبوية خير كبير ورحمة وفضل على الأمة العربية والناس جميعا، لقوله تعالى : ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ.. أي ذلك الإسلام والوحي وإعطاء النبوة العظيمة لمحمد صلّى اللّه عليه وسلّم : فضل من اللّه يعطيه من يشاء من عباده، واللّه صاحب الفضل العظيم الذي لا يساويه فضل ولا يدانيه، وهو ذو المنّ العظيم على جميع خلقه في الدنيا، بتعليم الكتاب والحكمة في الدنيا، وفي الآخرة بمضاعفة الجزاء على الأعمال. فقوله تعالى :
ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ تبيين لموقع النعمة وتخصيصه إياهم (أي العرب وغيرهم) بها.


الصفحة التالية
Icon