تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٦٧١
فأصابهم عاقبة كفرهم وتكذيبهم، وردي ء أفعالهم، بعقاب الدنيا، والعذاب المؤلم في الآخرة، وهو عذاب النار.
وذلك العذاب في الدارين بسبب أنه كانت تجيئهم رسلهم بالمعجزات الظاهرة والأدلة الواضحة، فقالوا : كيف يتصور أن يهدينا البشر؟ فكفروا بالرسل وبرسالاتهم، وأعرضوا عنهم وعن الحق والعمل به، ولم يتدبروا فيما جاؤوا به، واستغنى اللّه عن إيمانهم وعبادتهم الباطلين، حين أهلكهم، وعما ظهر من هلاكهم، وأنهم لن يضرّوا اللّه شيئا، فبان أنه كان غنيّا أولا، واللّه غير محتاج إلى العالم ولا إلى عبادتهم له، محمود من كل مخلوقاته، بلسان المقال أو الحال.
وكلمة أَبَشَرٌ اسم جنس، فوصف بالجمع، على أنه مبتدأ، ويهدوننا خبر. ثم أخبر اللّه عن عقيدة الكفار بإنكار البعث، فقد زعم «١» الذين كفروا، يعني قريشا، ثم يعمّ كل كافر بالبعث، أنه لا بعث ولا حساب ولا جزاء، فردّ اللّه عليهم وأخبرهم بأنكم واللّه ستبعثون وتخرجون من قبوركم أحياء، ثم تخبرون بجميع أعمالكم جليلها وصغيرها، إقامة للحجة عليكم، ثم تجزون به، وذلك البعث والجزاء هيّن سهل على اللّه تعالى. وفيه تأكيد البعث على جهة الإخبار والتوبيخ.
وليس في القرآن قسم يقسم به اللّه بنفسه إلا في ثلاثة مواضع : هذا الموضع : قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ وقوله في آية أخرى : وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (٥٣) [يونس : ١٠/ ٥٣]، وقوله في موضع ثالث : وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ [سبأ : ٣٤/ ٣]. والمواضع الثلاثة لإثبات البعث بالقسم الإلهي العظيم.

(١) الزعم : عبارة عن الكذب، أو القول الذي انفرد به قائله ويلقيه على الزاعم، أخرج أحمد وأبو داود عن حذيفة حديثا ضعيفا هو :«بئس مطية الرجل : زعموا»


الصفحة التالية
Icon