تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٦٧٣
هذا بعد إثبات البعث اليسير على اللّه : دعوة إلى اللّه تعالى وتبليغ وتحذير، فصدّقوا بالله ورسوله محمد صلّى اللّه عليه وسلّم، وبالقرآن الكتاب المنير الهادي إلى السعادة، والمنقذ من الضلالة، واللّه مطّلع على كل شي ء، عالم بكل ما تعملون أو تقولون، ومجازيكم على ذلك خيرا أو شرّا بحسب عمل كل واحد.
اللّه خبير ينبئكم بما عملتم يوم يجمعكم أو يحشركم في صعيد واحد للجزاء، يوم القيامة، ذلك اليوم الذي يظهر فيه الغبن أو النقص، غبن الكافر بتركه الإيمان، وغبن المؤمن بتقصيره في الإحسان، فتظهر فيه الخسارة الفادحة للفريقين. فإذا وقع الجزاء عيّر المؤمنون الكافرين، لأنهم يجزون الجنة، ويحصل الكفار في النار.
ومن يصدق بالله تصديقا صحيحا، ويعمل العمل الصالح بأداء الفرائض والطاعات، واجتناب المنهيات المنكرات، يمح اللّه سيئاته وذنوبه، ويدخله الجنات التي تجري من تحت قصورها وأشجارها الأنهار، ماكثين فيها على الدوام، وذلك الشرف والإنعام والتكريم : هو الظفر أو الفوز الذي لا يعادله شي ء قبله ولا بعده.
وإنما قال : خالِدِينَ بلفظ الجمع، بعد قوله : وَمَنْ يُؤْمِنْ بلفظ الواحد، لأن ذلك بحسب اللفظ، وهذا بحسب المعنى.
وأما الذين كفروا بالله وكذبوا بآياته القرآنية الدّالة على البعث والقدرة الإلهية، وأنكروا رسالة النّبي محمد صلّى اللّه عليه وسلّم، فأولئك هم أصحاب النار، خالدين (ماكثين فيها على الدوام) وبئس المرجع مرجعهم، وساءت النار مثواهم.
وهذه موازنة بين الفريقين، تدلّ على حال السعداء، وحال الأشقياء، لبيان حال التغابن في الآخرة، لا في الدنيا.
ثم أوضح اللّه تعالى أن كل ما يصيب الإنسان فهو بقضاء اللّه وقدرته، على وفق السّنة الكونية، القائمة على العلم الإلهي، والإرادة المدبّرة، أي إن كل ما يصيب