تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٦٧٧
و من وقاه اللّه وحفظه من داء الشح (البخل مع الحرص) فأنفق في سبيل اللّه ووجوه الخير، فأولئك هم الفائزون بما يطلبون.
أخرج البخاري في تاريخه وأبو داود عن أبي هريرة رضي اللّه عنه : أن النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال :«شرّ ما في الرجل : شحّ هالع، وجبن خالع».
أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : لما نزلت اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ «١» [آل عمران : ٣/ ١٠٢] اشتدّ على القوم العمل، فقاموا حتى ورمت عراقيبهم، وتقرّحت جباههم، فأنزل اللّه تخفيفا على المسلمين : فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ.
جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :«إذا أمرتكم بأمر، فأتوا منه ما استطعتم، وما نهيتكم عنه فاجتنبوه».
ثم أكّد اللّه تعالى الحث على النفقة، بقوله : فيما معناه : إن تتصدقوا صدقة حسنة بإخلاص وطيب نفس، يضاعف اللّه الثواب لكم أضعافا مضاعفة، ويغفر لكم أيضا ذنوبكم، واللّه يجزي الكثير على القليل، تام الشكر، أي يعطي على الطاعة الجزيل بالقليل، واسع الحلم، أي لا يعاجل بالعقوبة على المعصية. وقوله : شَكُورٌ إخبار بمجازاته تعالى على الشي ء، وأنه يحط به عمن شاء عظائم الأمور.
ثم رغّب اللّه ترغيبا زائدا بالنفقة، وهو أن اللّه تعالى شامل العلم بما غاب عنكم وما حضر، غالب قاهر، ذو حكمة بالغة، يضع الأمور في مواضعها الصحيحة. إن التحذير من فتنة المال والتعلّق به، ثم توالي تأكيدات ثلاثة على الإنفاق بأساليب متنوعة، ترويض على اقتلاع داء البخل من النفس، وحمل للنفس على ادّخار ثواب النفقة في سبيل الخير والمعروف عند اللّه تعالى الذي لا تضيع عنده الودائع.