تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٦٨٦
يبيّن فيها للناس الشرائع والأحكام، لإخراج المؤمنين بالآيات والرسول من دائرة الظلمات إلى أنوار الهداية الربانية، ومن ظلمات الكفر إلى نور الإيمان.
وقوله تعالى : قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَسُولًا مختلف فيه، فقال قوم من المتأولين :
المراد بالاسمين القرآن، ورَسُولًا بمعنى رسالة. وقال آخرون : رسولا نعت أو كالنعت لقوله سبحانه : ذِكْراً أي ذكرا ذا رسول. وقال آخرون : المراد بهما جميعا محمد صلّى اللّه عليه وسلّم، والمعنى : ذا ذكر رسولا، والذكر : اسم من أسماء الرسول عليه الصّلاة والسّلام، وهذا هو الظاهر، لكن قال ابن عطية رحمه اللّه : وأبين الأقوال عندي معنى : أن يكون (الذّكر) القرآن، و(الرّسول) محمدا صلّى اللّه عليه وسلّم، والمعنى : بعث رسولا، لكن الإيجاز اقتضى اختصار الفعل الناصب للرسول، ونحا هذا المنحى السّدي.
ثمّ رغّب اللّه المؤمنين بالإيمان والعمل الصالح ببيان الجزاء الحسن لهما، وهو أن من يصدّق بالله، ويعمل العمل الصالح، فيجمع بين التصديق والعمل بما فرضه اللّه عليه، يدخله اللّه جنات (أي بساتين) تجري من تحت قصورها وأشجارها الأنهار، ماكثين فيها أبدا على الدوام، وقد وسّع اللّه له رزقه في الجنة. والرزق الحسن في الآية : رزق الجنة، لدوامه وتدفّقه.
ثم أورد اللّه ما يدلّ على عظيم قدرته وسعة علمه، وهو أن اللّه تعالى هو الذي أبدع السماوات السبع، والأرضين السبع، أي كونها سبعا مثل السماوات السبع، يتنزل أمر اللّه وقضاؤه وحكمه بين السماوات والأرض، وقد فعل ذلك لتعلموا كمال قدرة اللّه، وإحاطة علمه بجميع الأشياء، فلا يخرج عن علمه شي ء منها كائنا ما كان، فاحذروا المخالفة، لأن اللّه مطّلع على كل شي ء، واتّعظوا بمصائر الأمم السابقة، فإن اللّه تام العلم بأعمالكم كلها، وسيجازيكم عليها، والكل خاضع له سبحانه، وفي دائرة سلطانه، فيكون اللّه قادرا على إثابة الطائعين، وتعذيب العاصين والمخالفين لأمره.