تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٦٩٥
الظَّالِمِينَ
أي ابن لي بيتا قريبا من رحمتك في أعلى درجات المقرّبين منك، وخلّصني من بطش فرعون وشروره، وأنقذني من القوم الظالمين، وهم كفار القبط. فقبض اللّه تعالى روحها. وهذا دليل على صدق إيمانها بالله واليوم الآخر.
والمرأة الثانية في هذا المثل : هي حال مريم ابنة عمران أم عيسى عليهما السّلام، التي صانت فرجها عن الفاحشة، فكانت مثال العفة والطّهر، فأمر اللّه جبريل أن ينفخ الروح في فرجها، فحملت بعيسى، وصدّقت بشرائع اللّه التي شرعها لعباده وبصحفه المنزلة على إدريس وغيره، وبكتبه المنزلة على الأنبياء، وهي التوراة والإنجيل، وكانت من القوم المطيعين لربّهم، حيث كان أهلها أهل بيت صلاح وطاعة، ومن عداد الناسكين العابدين المخبتين لربّهم، أي كانت من القوم القانتين في عبادتها وحال دينها. وقوله تعالى : مِنْ رُوحِنا إضافة مخلوق إلى خالق، ومملوك إلى مالك، كما تقول : بيت اللّه، وناقة اللّه، كذلك الروح والجنس كله هو روح اللّه.
أخرج الإمام أحمد عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال :«خطّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في الأرض أربعة خطوط، وقال : أتدرون ما هذا؟ قالوا : اللّه ورسوله أعلم، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : أفضل نساء أهل الجنة : خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، ومريم ابنة عمران، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون».
جاء في صحيحي البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري عن النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال :«كمل من الرّجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون، ومريم ابنة عمران، وخديجة بنت خويلد، وإن فضل عائشة على النساء، كفضل الثريد على سائر الطعام».