تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٧١٨
المكذبين بالقرآن الكريم، فإني أنا أكفيك أمرهم، وأعلم كيف أجازيهم، فإنا سنأخذهم بالعذاب على غفلة، بعد سوقهم إليه درجة فدرجة، حتى نوقعهم فيه من حيث لا يعلمون أن ذلك استدراج، لأنهم يظنونه إنعاما، وهم لا يشعرون أن الإنعام استدراج.
والاستدراج : يستعمل في الشرّ، ويراد به : النزول بالشخص درجة درجة إلى حيث تريد، لتوريطه فيه، والمراد : إدناؤهم من العذاب تدريجا بالإمهال وإدامة الصحة، وزيادة النعمة.
أخرج البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه، عن أبي موسى رضي اللّه عنه، قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :«إن اللّه ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته»
ثم قرأ : وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود :
١١/ ١٠٢].
وأمهلهم وأؤخرهم ليزدادوا إثما، ويتورّطوا، فإن تدبيري وكيدي لأهل الكفر قوي شديد، فلا يفوتني شي ء لكل من خالف أمري، وكذّب رسلي. وسمي الجزاء كيدا، لكونه في صورة الجرم. فالمراد بالكيد هنا العقوبة : التي تحلّ بالكفار من حيث هي على كيد منهم، فسمّى العقوبة باسم الذنب. و(المتين) القوي الذي له متانة.
ثم أخبر اللّه تعالى عن إزالة أي مانع يمنع المشركين من قبول الإسلام، فقال : أَمْ تَسْئَلُهُمْ و(أم) هي التي تتضمن الإضراب عن الكلام الأول، لا على جهة الرفض له، لكن على جهة الترك، والإقبال على ما سواه.
والمراد : بل أتطلب يا محمد منهم أجرة على الإرشاد والهداية وتبليغ الرسالة إليهم، فهم من الغرامة المالية مثقلون بأدائها، لشحّهم ببذل المال. الحقيقة أنك أيها النبي تدعو إلى توحيد اللّه تعالى بلا أجر تأخذه منهم، بل ترجو ثواب ذلك عند اللّه