تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٧٢٢
بادوا عن آخرهم، ولا خلف لهم.
ثبت في الصحيحين عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قال :«نصرت بالصّبا، وأهلكت عاد بالدّبور».
وقوله : مِنْ باقِيَةٍ إما مبالغة كعلّامة ونسّابة، والمعنى : من باق، أو من فئة باقية، وإما مصدر، أي من بقاء.
وأتى بالفعلة الخاطئة الطاغية فرعون ومن تقدّمه من الأمم الكافرة، وأهل المنقلبات (المؤتفكات) قرى قوم لوط، وخطؤهم : الشّرك والمعاصي الكبائر.
فعصت كل أمة من هؤلاء رسولها المرسل إليها، فأهلكهم اللّه ودمّرهم، وأخذهم أخذة أليمة شديدة، زائدة على عقوبات سائر الأمم الأخرى. و(الرّابية) النامية التي قد عظمت جدا.
ثم عدد اللّه تعالى نعمته على الناس في قصة الطوفان.
إننا لما تجاوز الماء حدّه وارتفع بإذن اللّه، وجاء الطوفان في زمن نوح عليه السّلام، حملنا آباءكم المؤمنين وأنتم في أصلابهم، في السفينة التي تجري في الماء، لتتحقق لهم النجاة من الغرق، ولنجعل نجاة المؤمنين، وإغراق الكافرين عبرة وعظة، تستدلون بها على عظيم قدرة اللّه، وبديع صنعه، وشدة انتقامه، ولتحفظها بعد سماعها أذن حافظة لما سمعت ووعت. فقوله تعالى : لِنَجْعَلَها
و وَتَعِيَها
عائد إلى الواقعة المعلومة، وهي نجاة المؤمنين، وإغراق الكافرين، أي : من تذكرها ازدجر.
أخرج ابن أبي حاتم وابن جرير عن مكحول مرسلا قال : لما نزل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :«سألت ربّي أن يجعلها أذن عليّ»، قال مكحول : فكان علي يقول : ما سمعت من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم شيئا قط، فنسيته.
هذا أنموذج من أوصاف العقاب الأليم الذي أوقعه اللّه ببعض الأقوام الغابرة، اتصفت بأقسى ألوان الشدة في الدنيا، لتكون درسا بليغا، وعظة بالغة للأقوام