تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٧٢٨
أن لو كانوا معدومين لا يجري عليهم شي ء، حين لا يجدون شيئا ينفعهم في الآخرة من مال أو ولد أو حجة مقبولة.
فيأمر اللّه زبانية جهنم قائلا لهم : خذوه، أي خذوا هذا الكافر الشّقي، مكبّلا بالقيود والسلاسل والأغلال، بجمع يده إلى عنقه في الغلّ، ثم أدخلوه الجحيم ليصلى حرّها، ثم أدخلوه في سلسلة (حلق منتظمة) طولها سبعون ذراعا تلفّ على جسمه، لئلا يتحرّك. وقد جعل اللّه تعالى في قرآنه السبع مائة، والسبعين، والسبعة، مواقف ونهايات لأشياء عظام، فلذلك مشى العرب وغيرهم على أن يجعلوها نهايات، وهذه السلسلة من الأشياء التي جعل اللّه تعالى فيها السبعين : نهاية.
وسبب وعيد هذا الشّقي وعذابه : أنه كان لا يؤمن بالله العظيم، أي كافرا جاحدا، لا يصدق بالله صاحب العظمة والسلطان، ولا يحب الخير ولا يفعله، ولا يحث على إطعام الفقير والمسكين البائس، فضلا عن أنه لا يبذل المال لمحتاج. أي لا يؤدي حقوق اللّه من توحيده وعبادته، وترك الشّرك به، ولا يوفي بحقوق العباد من الإحسان والمعاونة على البر والتقوى. وفي ذكر الحضّ دون الفعل تشنيع على صاحبه، يفيد أن تارك الحض كتارك الفعل. وهذا دليل على أن غير المؤمنين إطلاقا مطالبون بفروع أحكام الشريعة الإسلامية، من صلاة وصيام وحج وزكاة وغيرها من شرائع المعاملات والأحوال الشخصية.
والعذاب متعين لازم لهذا الشقي، فليس له يوم القيامة قريب ينفعه، أو صديق يشفع له، أو منقذ ينقذه من العذاب. والحميم : هو الصديق اللطيف المودة.
وأما وسائل بقاء الحياة في النار لأهلها، فتتجدد حياتهم كلما عذّبوا، وليس لهم طعام يأكلونه إلا أقبح الأشياء، وهو ما يسيل من أجساد أهل النار من صديد ودم وقيح، إنها سموم قاتلة في الباطن، مع العذاب في الظاهر، وهذا الطعام لا يتناوله إلا