تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٧٣٣
أخرج النّسائي وابن أبي حاتم عن ابن عباس، في قوله تعالى : سَأَلَ سائِلٌ قال :
هو النّضر بن الحارث، قال :«اللهم إن كان هذا هو الحقّ من عندك، فأمطر علينا حجارة من السماء».
دعا داع وطلب طالب بإنزال عذاب واقعي، كائن للكافرين، نازل بهم، لا يمنع ذلك العذاب الواقع أحد إذا أراده اللّه تعالى. وقوله : لِلْكافِرينَ بمعنى : على الكافرين، فاللام بمعنى على هنا، أو كأن قائلا قال : لمن هذا العذاب؟ فقيل :
للكافرين. وسؤال العذاب من طالبه للاستهزاء والتعنّت. والسائل كما تقدّم : هو النضر بن الحارث أو غيره.
والعذاب واقع من جهة اللّه تعالى، ذي المصاعد الذي تصعد إليه الكلمة الطيبة والعمل الصالح، أو تصعد فيها الملائكة، وقال ابن عباس : المعارج : السماوات تعرج فيها الملائكة من سماء إلى سماء. تصعد في تلك المعارج الملائكة وجبريل عليه السّلام، خصصه بالذّكر تشريفا، في مدة يوم يقدّر بخمسين ألف سنة من سنوات الدنيا، لو أراد البشر الصعود إليها. وهذا بحسب مواقف القيامة ومواطنها، فيها هذه المواطن، وفيها خمسون موطنا، كل موطن ألف سنة، كما في آية أخرى : هي فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ [السّجدة : ٣٢/ ٥]. وهذا في حقّ الكافر، أما في حقّ المؤمن فلا يجدون هذه المسافة لقوله تعالى : أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا (٢٤) [الفرقان : ٢٥/ ٢٤]. والمستقر والمقيل : هو الجنة.
ثم أمر اللّه نبيّه بالصبر على مثل هذا السؤال، فاصبر يا محمد صبرا جميلا، ولا تأبه بسؤالهم العذاب استهزاء وتعنّتا وتكذيبا بالوحي، واحلم على تكذيبهم لك.
إن المشركين يرون يوم القيامة ووقوع العذاب فيه بعيدا أو مستحيل الوقوع، واللّه يراه قريبا، ويعلمه كائنا ممكنا غير متعذر، لأن كل ما هو آت قريب.