تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٧٥٧
رسالة اللّه، فمن يعص بعد ذلك، فله جزاء خطير، وهو نار جهنم، ماكثين فيها أبدا على الدوام، لا محيد لهم عنها، ولا خروج لهم منها. وقوله : أَبَداً دليل أن المراد بالعصيان هنا : هو الشّرك.
ثم هدّد اللّه تعالى بالهزيمة والذّل المشركين الذين كانوا أقصر نظرا من الجنّ في عدم الإيمان، فإنهم إذا ظلّوا على كفرهم ورأوا ما يوعدون يوم القيامة، فسيعلمون يومئذ من أضعف ناصرا، أي جندا ينتصر به، وأقل عددا، أهم أم المؤمنون الموحّدون لله تعالى؟ أي بل المشركون لا ناصر لهم إطلاقا، وهم أقلّ عددا من جنود اللّه تعالى. ثم ذكر اللّه تعالى النوع الخامس من الموحى به، وهو علم الغيب لإبطال ادّعاء الجنّ والإنس العلم به : والمعنى : وقل أيها النّبي : لست أدري أقرب العذاب الذي يعدكم اللّه به، فما أدري أقريب وقت العذاب أم بعيد، وهل جعل اللّه له غاية ومدة؟ فلا يعلم موعد يوم القيامة إلا اللّه وحده.
قال مقاتل : لما سمع المشركون قوله تعالى : حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً قال النضر بن الحارث : متى يكون هذا اليوم الذي توعدنا به؟ فأنزل اللّه تعالى : قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ الآيات.
واللّه وحده هو العالم بالغيبيات، فلا يطلع على ما غاب عن العباد أحدا إلا من ارتضى من الرسل، فإنه تعالى يطلعهم على بعض المغيبات، ليكون معجزة لهم، ودلالة على صدق نبوّتهم. فمن ارتضى من رسول، فإنه يطلعه على غيبه بطريق الوحي، ثم يجعل بين يديه (أمامه) ومن خلفه حرسا من الملائكة وهم الرّصد، أي يبث اللّه تعالى حول ذلك الملك الرسول حفظة، رصدا لإبليس وحزبه من الجنّ والإنس. والرسول : هو الملك أو صاحب الشريعة السماوية، أي يشمل الرسول الملكي والبشري. والرّصد : الحفظة يحفظون كل رسول من تعرّض الجنّ والشياطين.