تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٧٦١
هذا في الليل وقت العبادة، وأما في النهار : فلك في وقته تقلّب وتصرّف في حوائجك ومصالح الحياة، فلا تتفرغ فيه للعبادة، فصلّ بالليل.
ولا تنقطع عن ذكر اللّه في أي وقت ليلا أو نهارا، وأكثر من ذكر اللّه، وداوم عليه إن استطعت ليلا ونهارا، وأخلص العبادة لربّك، وانقطع إلى اللّه انقطاعا بالاشتغال بعبادته، والتماس ما عنده إذا فرغت من أشغالك وحوائجك الدنيوية.
وَ تَبَتَّلْ معناه : انقطع من كل شي ء إلا منه، وافرغ إليه.
وسبب الأمر بالعبادة وضرورة التّبتّل : أن ربّك ربّ المشرق والمغرب الذي لا إله إلا هو، وكما أفردته بالعبادة، فأفرده بالتوكّل، واجعله وكيلا لك في جميع الأمور.
والوكيل : القائم بالأمور الذي توكل إليه الأشياء.
والقيام بتبليغ الرسالة يتطلب جهدا متواصلا، وصبرا دائما، فاصبر أيها الرسول على أذى قومك، وما ينالك من السّب والاستهزاء، ولا تجزع من ذلك، ولا تتعرض لهم، ولا تعاتبهم ودارهم. وعلاج الأذى : هو الصبر. والهجر الجميل :
و هو أن تجانبهم وتداريهم، ولا تعاتبهم وفوّض أمرهم إلى اللّه تعالى. فالهجر الجميل : هو الذي لا عتاب معه.
أرشدت الآيات إلى فرضية التّهجد على النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم، خاصة به، وإلى وجوب ترتيل القرآن : وهو قراءته على مهل، وتبيين حروفه، وتحسين مخارجه، وإظهار مقاطعه، مع تدبّر المعاني. وناشئة الليل، أي العبادة في الليل أشدّ انسجاما وتوافقا بين الفكر والقلب، والعقل والنفس، وأسدّ مقالا وأثبت قراءة. والنهار لكسب العيش والحاجات الأصلية. ولا يترك ذكر اللّه باللسان والقلب في جميع الأوقات، والتّبتّل :
الانقطاع إلى اللّه بالكلية، بإخلاص العبادة، لا تعطيل أعمال الدنيا، ويطالب المؤمن بإفراد اللّه بالعبادة، وبالتوكل عليه دون سواه، ولا بدّ من الصبر على الأذى في سبيل نشر الدعوة إلى اللّه وتوحيده.


الصفحة التالية
Icon